النسخة الكاملة

التعايش والثقافة في "إسرائيل"

الخميس-2020-02-23
جفرا نيوز - جفرا نيوز - إذا أردت أن تُطلّ على منظومة العلاقات في مجتمعٍ ما،لا بد أن تُطلّ عليها من شباك الثقافة،والثقافة هنا بمعناها الواسع ما يكتب وما يقال،وما يعرض أيضاً،على المسارح والشاشات،فمن أي كوّة تُطلّ وزيرة الثقافة ميري ريغيف على مجتمعها!

آخر مآثرها إيقاف المخصصات المالية لمسرح الميدان في حيفا،عقاباً له على عرض مسرحية الزمن الموازي،وهي مسرحية مستوحاة من حياة الأسير وليد الدقة،والذي استخدم عبارة"الزمن الموازي" أي زمن الزنازين وحياة الأسر، وهي عبارة اقتبسها من المفكر الفلسطيني عزمي بشارة،من حديثٍ له،يصف فيه حياة الأسر.

لُبّ القضية،هو أن هذا الصوت أوجع ريجيف،بقدر ما هو صادق وحقيقي وموجع ،ولكن توجع ريجيف،لم يصدر عن ضميرها الحي،ولكن عن ضميرها الوظيفي،المسنود إليه مهمة تجميل المجتمع الإسرائيلي،أو ستر خطاياه بالأغطية الثقيلة،فجاء هذا الصوت كاشفاً وهذه الإضاءة فاضحة،وإذاً فلابُدّ من إسكاته وإخماده،ولو على حساب الدعاية الديمقراطية،فهناك أولويات،وهناك خطايا لا تغتفر،وعلى رأسها بالطبع إضاءة الزوايا المظلمة في المجتمع والممارسات الإسرائيلية.

حرباً أخرى شنّتها إسرائيل ومن مواقعها الرسمية أيضاً على فيلم الحدود،والزمن هنا هو زمن الوقوف على الحواجز،أو السقوط أمامها إعياءً أو موتاً،يختم مسيرة الزمن الفلسطيني.

شاهدت فيلماً ناطقاً بالفرنسية،يضيء كثيراً من جوانب الحياة الإسرائيلية،من خلال العلاقات الإجتماعية،العمل، الزواج،الصداقة،ويظهر بوضوح، أن ما يسود في المجتمع الإسرائيلي هو التوتر،وما يغيب هو التعاطف،فهو مجتمع يتتظر الخلاص،الذي لا تقدمه له السلطة السياسية،بل هي تثري من خلال إشعاره بالتهديد،ثم التمنُّن عليه بإلقاء طوق النجاة،الطوق الذي لا يلقى إلا إلى اليهودي فقط،وليس العربي المستثنى من هذا الحق! ليس ذلك فقط،ولكنه لا يدعى باسمه الشخصي بل ب"العربي"،في تدليل صارخ على هذا التمييز المجحف،فالأقنعة الواقية للغاز لا توزع عليه أسوة باليهودي،إلا حين يتوسط له يهودي فرنسي لدى المجندة،وهو هنا لا يتذرع بالقانون،فالقانون في إسرائيل أحادي الجانب،ويدار له الظهر حين يتعلق الأمر بالآخر:العربي!فيقول لها الفرنسي حين تسأل المجندة:لماذا علي أن أعطيه؟فيجيبها:لأن لك قلبٌ كبير،فتمد يدها بتمنن وتعطيهم للقناع.

ورغم ذلك ،ورغم وعي المواطن الإسرائيلي اليهودي والدرزي وكل من يخدم في الجيش الإسرائيلي،على هذه الحقائق،ومعايشته اليومية لها،فإنه يغيبها حين ينتظم في صفوف جيش الدفاع،ويطلق النار على الفلسطيني الأعزل لأوهى الأسباب،ويهين ويضرب الطفل والمرأة،دون أدنى وخزة  شك أو وازعٍ من ضمير،وبعد تسريحه من الجيش لا يتورع أن يصرح أنه كان متوحّشاً أثناء خدمته في الجيش،وأنه الآن بصدد حياة جديدة،يبني فيها عشّاً للحب أو الزوجية!

يرد ذلك أثناء مقابلات مع مجندين ومجندات سُرّحوا من الجيش،وعادوا إلى أوطانهم الأصلية،في ألمانيا وأمريكا.

ورغم هذه الخطايا التي تجترحها ريجيف،والأوزار التي تثقل كاهلها،تتطوع كاتبة عربية معروفة للمشاركة في هيأةٍ مشكّلة من وزارة الثقافة الإسرائيلية لنقد أعمال صادرة عن عرب ولكن باللغة العبرية ،ولو يا أخت! ولو كاحتجاج على قطع موارد مسرح الميدان،وأنت حيفاوية وكثيراً ما تباهيت بعروض هذا المسرح بالذات وأشدت به؟!

أليس الإصطفاف وراء الجلاد خيانة، حتى ولو ثقافية؟

نزار حسين راشد
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير