العُنْف مصنع البلاء
السبت-2019-08-03 11:26 am

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - د. مَحْمُودٌ أبُو فَرْوَةَ الرَّجَبِيُّ
لا عاقل فِي الدُّنيا يشجع العُنْف بأيِّ شكل من الأشكال، فَهْوَ مرفوض ونتائجه كارثية، وَيُسَاهِم فِي تفتيت اللحمة الوطنية، وَمَع ذلِكَ فإن بَعْض الممارسات قَدْ تُؤَدِّي إلى زيادة وتيرة العُنْف، وَلِذَلِكَ لا بُدَّ دائمًا من الاهتمام بإزالة المسببات حَتْى نصل إلى حذف النتائج من حَيَاتنَا.
أوْل سَبَب لِلْعُنْفِ هُوَ الثقافة السائدة، فَبَعْضُ البيئات الثَّقافِيَّة تشجع عَلَى العُنْف وتعتبره رجولة، وَقُوَّة، وتربي أبناءها عَلَى أن مُمَارَسَة التَنَمُّر عَلَى الآخَرِينَ يرفع من شأن العائلة أوْ القبيلة، ويجعلها مرهوبة الجانب من قبل الآخَرِينَ، وهَذَا يَدُلّ عَلَى قلة عقل، وعدم قُدْرَة عَلَى قِرَاءَة الوَاقِع والتغيرات، فَقَد استطاعت أوروبا فِي نهايات القرن التَّاسِع عشر أن تقهر العالم كُلهُ، من خِلال اختراعات بَسيطَة تغلبت عَلَى الشجاعة كلها، والشجاعة الحقيقية لا تَكُون بالتنمر عَلَى القَانُون وَالآخَرِينَ، فالحضارية الحقيقية تَكُون بالالتزام لا بِالخُروجِ.
ثاني أسباب العُنْف هُوَ الشُّعُوُر بالتهميش، والتهميش نوعان، شعور وواقع، بمعنى أن البَعْض يَشْعر أنه مهمش وهُوَ ليْسَ كَذلِكَ، وَنَحْنُ هُنا نتحدث عَن التهميش الحقيقي، فمشكلة الوطن العربي كُلهُ فِي غياب التوازن فِي التنمية بَيْنَ العاصمة والأماكن البَعيدة، مِمَّا شكل ضغطا عَلَى العواصم والمدن الكبيرة، وفرغ المدن الصَّغِيرة والقرى من سُكَّانهَا الساعين إلى عيشة أفضل، ودخل أكبر، فصرنا نرى فِي الدُّوَل العَرَبية مُدُنًا مليونية كَثِيرة، فِي مُقابِل ريف شبه مهجور، وللآن لَمْ تَسْتَطِعْ غالبية الدُّوَل العَرَبية إزالة هَذَا التشويه الَّذِي تسبب بمشكلات لا حصر لَهَا، وزاد الضغط عَلَى الخدمات فِي أماكن مُعَيَّنَة فِي الدَّوْلَة، وترك أماكن أخْرَى خالية.
لا أحد ينكر أن التهميش قَدْ يَكُون مقصودا، خاصة أن بَعْض الدُّوَل تعتمد عَلَى تقوية وترسيخ سيطرة فِئَة عَلَى حساب فِئَة، وَالدُّوَل الذَّكِيَّة تَقُوم عَلَى تمكين الجَمِيع فِي الـمُجْتَمَع فينشأ متوازنًا يَسِير بقوته للأمام، وَحَتْى نصل فِي وطننا العربي الكبير إلى هَذِهِ الـمَرْحَلَة نحتاج إلى حرق مَرَاحِل كَثِيرة أولها إيمان الدَّوْلَة كلها بِالـمُساوَاةِ التامة بَيْنَ ا لجميع، وأن المواطن لَهُ الحقوق كافة بغض النظر عَن خلفيته الثَّقافِيَّة، والدينية، والعرقية، أوْ مواقفه السياسية، وهَذَا لا يتأتى هَكَذَا فَجْأةً، وَيَحْتاجُ إلى عمل من الجَمِيع.
هُنَاكَ أسباب كَثِيرة لِلْعُنْفِ لا يتسع المجال لذكرها فِي مقال واحد، وَلَكِنَّنَا نود دائمًا التركيز عَلَى أن إشاعة روح التسامح، والمحبة، والعدالة فِي المجتمعات قادرة عَلَى جَعَلَهَا تتخطى أعظم المصاعب، وَحمى الله بَلَدنَا العزيز الأرْدُنّ، ووطننا الكبير العربي من كل شر.
Mrajaby1971@gmail.com

