الاضطرابات النفسية والعقلية وارتكاب الجريمة
الإثنين-2019-07-08 02:43 pm

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - احمد البخيت / مدير محكمة بداية الرصيفة
يتعايش الأفراد مع بعضهم البعض وفقا لعلاقات ,حيث يتعذر أن يعيش الفرد منعزلا عن العالم , ويتم هذا التعايش ضمن روابط واعتبارات يحكمها وينظمها القانون والدين و العادات والأعراف والضبط الاجتماعي والذاتي ,وبالتالي لابد أن تكون هذه التصرفات والسلوكيات طبيعية ضمن الحالة الطبيعية للفرد ,بمعنى أن تكون صادرة عن شخصية صحيحة يتمتع بصحة نفسية سليمة أي " حالة عقلية انفعالية إيجابية ,مستقرة نسبيا ,تعبر عن تكامل طاقات الفرد ووظائفه المختلفة وتوازن القوى الداخلية و الخارجية الموجه لسلوكه في مجتمع ما , ووقت ما ومرحلة نمو معينة, وتمتعه النفسية والفاعلية الاجتماعية " (القريطي 2002) , فالنفسية السليمة تمثل مجموعة من المظاهر السلوكية و الصفات الإيجابية التي تمثل أهداف إيجابية للفرد تدفعه لعمل التصرفات والسلوكيات الإيجابية , فالسلوك يشير إلى الأفعال التي تصدر عن الفرد ويلاحظها الآخرون بصورة مباشرة , فكل شيء تفعله ويكون بمقدور الغير ملاحظته يسمى سلوك , وقد يكون ايجابي مرضى عنه او سلبي ينال عدم رضي الآخرين عنه . نتيجة لضغوطات الحياة والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قد تسبب للفرد علل معينة تؤثر عليه وبالتالي تنتج
سلوكيات شاذة غير سوية سلبية تسبب أذى وألما بدنيا أو انفعاليا , وتمنع هذه العلل الفرد من قيامه بوظائفه الحياتية والتزاماته اتجاه المجتمع , وبحسب علم النفس الذي يعني الدراسة العلمية للسلوك والعمليات العقلية , تسمى هذه العلل التي اعترت الفرد اضطرابات نفسية وعقلية .
الاضطرابات النفسية والعقلية
يعتبر موضوع الاضطرابات النفسية من المواضيع التي أثارت إهتمام العلماء و الباحثين عبر مختلف العصور وحتى يومنا هذا ,حيث تم العديد من الدراسات ولأبحاث في هذا المجال وساهمت بشكل كبير للارتقاء به والوصول ما هو عليه الآن , والمتتبع لمراحل تطور حياة الإنسان يجد انه لم تخل فترة زمنية من المحاولات العديدة لتقديم تفسيرات مختلفة للاضطرابات النفسية ( وعود,2014) لغايات تقديم العلاج والتخفيف منها. في الحقيقة إن جوانب السلوك الشاذ المضطرب متسع في الغاية ومتنوع فبعضها شديدة وقليلة كحالة الجنون ,في حين ان البعض الآخر يشيع شيوعا في المجتمعات وتكون جيرة بالاهتمام كالقلق والكآبة .
تقسم الاضطرابات بشكل عام إلى قسمين : النفسية (العصابية) و العقلية (الذهانية) ويعبر عن جانب من السلوك يتعارض مع السلوك السليم , حيث أن الاضطراب لا يحقق الرضا والتقبل للشخص ويؤدي إلى اضطرابات شاملة في سلوك الإنسان كالحالة الانفعالية او التفكير او السلوك او وظائفه العضوية والجسمية وإذا تغلب الاضطراب على الناحية الانفعالية او الوجدانية اضطرابات عصابية مثل القلق والاكتئاب والهستيريا,أما إذا كان مصدر الاضطراب في التفكير سمي مرض عقلي مثل الفصام والهوس والبارانويا (إبراهيم ,1990) ويسبب هذا الاضطراب ينحرف السلوك ويؤدي إلى الجريمة . الاضطرابات النفسية هي خلل يصب الشخص في تفكيره ومشاعره وسلوكه وتحدث تأثير على الوعي او الإدراك او الإرادة وهناك بعض أنواع من الجرائم لها علاقة بأعراض الأمراض العقلية و النفسية المختلفة وهي (السباعي ,2006) :
1-الهوس : أعراضه الهياج و النشاط الزائد والإحساس بالقوة و الذكاء الخارق , فأكثر أنواع الجرائم التي ترتكب هي جرائم الضرب وإحداث العاهات والاعتداء على الأشخاص والممتلكات .
2-الإكتاب : أعراضه الحزن واليأس من الحياة ,أهم الجرائم التي ترتكب هي الانتحار وعادة ما يقتل المقربين له ومن يحبهم , وكذلك جرائم الاعتداء الجنسي والتفسير العلمي هو ان الحزن من الناحية البيولوجية مثير للغريزة الجنسية وخصوصا الحزن بسبب الوفاة .
3-الفصام بأنواعه : أشد الأعراض تعقيدا وأكثرها عن الشخصية والسلوك فمنهم معرضون لارتكاب جميع أنواع الجرائم والمخالفات .
4-الصرع والذهان الصرعي : لا يوجد لهم أنواع محددة من الجرائم فعندما ترتفع درجة العدوانية لديهم يزيد من حالات التعدي والضرب وإحداث العاهات و القتل .
5-النقص والتخلف العقلي : الجرائم المرتبطة بهم إنهم يستغلوا من قبل الآخرين لإحداث الجريمة .
تنتج هذه الاضطرابات خلل على مكونات شخصية الإنسان فيصبح غير سوي وغير قادر على التحكم بالسلوك و التصرفات التي تصدر عنه , فعلى سبيل المثال نلاحظ احيانا أن المراة يصيبها اضطرابات نفسية بعد الولادة , اذ تعد الحالة النفسية للمرأة بعد عملية الوضع من الأهمية لأنها تشكل دافعا رئيسيا للإقدام على ارتكاب جريمة قتل وليدها حديث الولادة تحت وطأة هذا الاضطراب الاضطرابات النفسية وما ينشأ عنها تغيرات فسيولوجية تؤثر في السلوك العام للمرأة,2015). مما لاشك فيه أن الاضطراب النفسي نمط سيكولوجي ينتج عن الشعور بالضيق او العجز يصيب الفرد(محمود,2016),حيث يعد اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع أحد الأمراض النفسية التي تؤثر في تكوين الفرد وفي طريقة تفكيره وإدراك المواقف والاتصال بالآخرين , فهو لا يهتم بمسألة الخطأ و الصواب والمعايير الاجتماعية بهذا الاضطراب القانون والأعراف وحقوق وينتهك المصاب وحقوق الآخرين ويقوم بارتكاب جرائم تدمير الممتلكات والسرقة حيث يلجأ إلى الكذب والخداع ويتصرف بطريقة العنف ويفشل في إقامة علاقة أسرية .
وفي أحد الدراسات , أشار ( شحاته,2017) إلى أخطر خمسة أمراض نفسية تسبب في ارتكاب جرائم القتل:
•الفصام البارانوى والاضطراب البارانوي : يقدم المريض بهذا المرض أحيانا ويكون متعمد لأنه يكون لديه تخيل أن الشخص الآخر سيقتله .
•مريض الصرع : يقتل وليس في وعيه لا يشعر بشيء .
•مريض الهوس : من الممكن أن يضرب شخصا او يدفعه من الشرفة
•مريض الوسواس القهري : تكونن المشكلة في ومضات فقد يخنق شخص يكون معه في مصعد متعمدا على سبيل المثال .
•الاكتئاب السوداوي : قد يقتل المريض الأشخاص الذين يحبهم قبل أن يقتل نفسه لأنه يشعر أن الدنيا لا تستحق وجودهم .
تمثل مشكلات اضطراب الشخصية النفسية والعقلية سبب من أكبر أسباب اندفاع بعض المرضى نحو ارتكاب الجرائم حيث تكون عدوانية نحو المجتمع وهذا يعني أن المرض النفس ( العصاب) وهو اضطراب في الشخصية يبدو في صورة أعراض نفسية أو جسمية مثل القلق والوساوس والخوف الشديد والشكوك التي لا أساس لها, أو قد يظهر المرض النفسي في شكل حدوث شلل لعضو بدون أن يكون له سبب عضوي, ومن أشهر الأمراض النفسية الهستيريا والوسواس والرهاب .
رغم الدراسات العديدة بهذا المجال ,إلا أن العلاقة بين الاضطرابات النفسية والعقلية ما زالت عليها اختلافات ولست موضوع اتفاق بين العلماء بسبب وجود مفاهيم تم اختراعها لأسباب سياسية مثل الإرهاب والتطرف الديني وكذلك التصنيفات النفسية والعقلية(وريكات,2014) ,فمن وجهة نظرنا نرى إنه يوجد علاقة بين هذه الاضطرابات بأنواعها والجريمة ,حيث أنها تؤثر وتدفع الفرد لاقتراف الجريمة بما تؤثر على شخصيته وأعصابه ونفسيته وقد تؤدي لعدم السيطرة على نفسه فيقدم على السلوكيات الإجرامية نتيجة ضغوط الاضطرابات سواء كانت عصابية التي تحدث تصدع في الشخصية وخاصة الانشقاقية والتحويلية التي تعرف بأنها مرض فصام وغيرها,بالإضافة الى الاضطرابات العقلية وعلاقتها بالعنف والقتل , ونستنتج بان هذه بجميع أنواعها لها علاقة مباشرة مع ارتكاب الجريمة .
هناك نظريات فسرت الاضطرابات العقلية على النحو التالي(صالح,2015) :
أولا النظريات البولوجية وهي :
1-النظرية التركيبية : الاضطرابات العقلية ناجمة عن شذوذ في تركيبة الدماغ .
2-النظريات البيوكيماوية : الاضطرابات العقلية ناجمة عن عدم التوازن في الناقلات العصبية او الهرمونات اوضعف في المستقبلات العصبية .
3-النظريات الوراثية : الاضطرابات ناجمة عن خلل في الجينات .
ثانيا النظريات النفسية وهي :
1-النظرية النفسية الدينامية : أعراض الاضطرابات العقلية ناتجة عن صراعات لا شعورية بين رغبات بدائية وموانع لا تسمح لها بان تشبع .
2-النظريات السلوكية : الاضطرابات العقلية ناجمة عن معززات وعقوبات لأنواع محددة من السلوك والمشاعر يحصل عليها الفرد من البيئة .
3-النظرية المعرفية : الطرائق إلي ستعملها الناس في تفسير المواقف تسبب لهم مشاعر وسلوكا سلبيا .
4-النظرية الإنسانية : الاضطرابات العقلية تنشأ عندما لا يستطيع الناس تحقيق قيمهم الخاصة واستثمار إمكانياتهم الشخصية .
ثالثا النظريات الاجتماعية الثقافية وهي :
1-نظريات العلاقات الشخصية : الاضطرابات العقلية هي نتيجة أنماط سلبية في العلاقات الشخصية .
2-النظريات الأسرية : الاضطرابات العقلية ناجمة عن نظام أسري يخلق هذه الاضطرابات ويولدها لدى الأفراد ليحفظ التوازن بينهم .
3-النظريات الاجتماعية : ثقافة المجتمعات هي تخلق الاضطراب العقلي في أفرادها بتعريضهم إلى ضغوط لا يمكن تحملها .
مع أن الاضطرابات النفسية والعقلية تؤدي إلى الجريمة ,إلا أن الخوف من البعض من يستغلها للإفلات من العقوبة الجنائية بالادعاء بالأمراض النفسية والعقلية للاستفادة من نص المادة 92 من قانون العقوبات الأردني بإعفاء من عنده اختلال بعقله من العقوبة والي تنص الفقرة رقم 1 "يعفى من العقاب كل من ارتكب فعلا أو تركا إذا كان حين ارتكابه إياه عاجزا عن إدراك كنه أفعاله أو عاجزا عن العلم بأنه محظور عليه ارتكاب ذلك الفعل أو الترك بسبب اختلال في عقله " وتنص الفقرة رقم 2 " كل من أعفي من العقاب بمقتضى الفقرة السابقة يحجز في مستشفى الأمراض العقلية الى أن يثبت بتقرير لجنة طبية شفاؤه وأنه لم يعد خطر على السلامة العامة ".

