النسخة الكاملة

التندر عند الأردنيين !

الخميس-2019-05-30
جفرا نيوز - جفرا نيوز - علي الحراسيس 
 يبدو أننا بتنا من أكثر الشعوب في العالم نمارس سلوك التندر على كل شيء وبصيغ تهكمية احيانا تتجاوز الحد الأخلاقي الذي نتعارف عليه جميعا بل ونرفضه ، ويفترض أن نلتزم بابسط قواعد النقد او الاشارات بعدم الرضا دون تطرف او اساءة ، ولا نشغل انفسنا به لأيام على مواقع التواصل لمجرد ان مسؤول قد مارسه او صرح به او نشره .
اذكر ان موقف الرئيس عمر الرزاز حين توقف في احدى مناطق عمان يساهم مع بعض المتطوعين الشباب بتوزيع التمر والماء على المواطنين مع اشتداد حراة الطقس في ايام رمضان التالية ، وجد البعض فيها ضآلته للهجوم والتهكم ،وهو سلوط طبيعي تمارسه الاجهزة الامنية كثيرا ويمارسه مواطنون ايضا ، ولكن بالكاد يعرف "المتهمكون" انها اشارات ليس للداخل فقط بقدر ما هي موجهة للخارج لبيان مدى استقرار الوطن وطيب نفس رجالاتها وطبيعة العلاقة التي تحكم ابناء البلد بعضهم ببعض ، واتحدى لو قام بها رئيس وزراء في دولة اوروبية لتناقلناها بإعجاب واحترام ، فيما نحرمها ونتهكم عليها إذا مارسها احد ابناء الوطن !
على صعيد ما بثه الديوان الملكي لجلسة عائلية جمعت المك والملكة مع افراد الأسرة ساعة افطار ،وجدها البعض ايضا فرصة للتهكم وباتت "حبات ورق العنب" مدعاة للتهكم ،وهي جلسة عائلية طبيعية تعيشها غالبية ابناء ااسرتنا الاردنية بالعموم لحظات الافطار في الشهر الفضيل ،ولم نشاهد في الفيديو موائد بذخ وإسراف كبير ولا خراف محشية ومائدة بطول الغرفة تتناقلها كاميرات العالم في العديد من الدول لجماعات او بعض حكام العرب في دول مختلفة ، بل ما رأيناه كان مائدة طبيعية بسيطة متواضعة يقيمها غالبية ابناء الوطن في افطاراتهم ، ولم تكن تستدعي تلك الحملة والتهكم والاستمرار لجعلها مادة اعلامية للبعض تحت مسميات " وطنية " او معارضة أو حراكية ، وهي ايضا رسائل للداخل لبيان اجواء رمضان والافطار لدى العائلة الحاكمة في بلادنا ، وهي رسالة مهمة ايضا للخارج يمكن التقاطها من قبل دول تحاول التضييق على البلاد والضغط على الحكم 
اجواء الإستقرار والأمن والأمان الذي ننعم به في بلادنا بحمد الله وجهود ابناء الوطن في اجهزتنا الأمنية المختلفة للحفاظ عليها واستقرارها هي نعمة من الله ، وعلينا العمل للحفاظ عليها بكل ما اؤتينا من قوة ، وبرغم مما تعيشه البلاد من اوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة ، فهذا لن يدفعنا الى المزيد من التأزيم والفوضى ونشر الكراهية عبر تعليقات ومواقف تنشر على مواقع التواصل ، توحي للاعداء والمتربصين ببلادنا ممن يخططون لضرب استقرارنا وأمننا أن انسيجنا الاجتماعي ضعيف ومشوه ،وأن العلاقات بين ابناء الوطن بعضهم ببعض هي علاقات الصدام والكراهية وهذا بحمد من الله غير صحيح ، ما كان ولن يكون .
نطالب دوما باسقاط مجلس النواب ونحن من انتخبناهم وسرنا خلفهم ، ونطالب برحيل الحكومات قبل ان نرى اداء الوزراء ،نرغب بالحصول على الوظيفة والراتب دون ان نعمل ، نطالب بتحسين وظائفنا ونستخدم الواسطة من نواب او وزراء او متنفذين للوصول لما نحلم به ، نطالب بتخفيف الانضباط والرقابة ، ونرفض اية خطوة تتقدم بها الحكومات لتصويب الاوضاع ومحاربة الترهل ،ونصطف بقوة ونهدد باشهار السلاح وقطع الطرق حين تنفذ الاجهزة مهمة القاء القبض على احد ابناء " العشيرة " ثبت تورطه في قضية فساد او بلطجة او تعد على المال العام .
اقول بكل صراحة ان ما يعيشه مجتمعنا من مظاهر يمارسها البعض من ترهل ومفاسد واستغلال ورفع اسعار واحتكار وجشع وبلطجة وتعد على المال العام او استغلال الوظيفة ، بات ظاهرة واسعة تتوسع وتتعاظم وبات يصعب بعام او عامين مواجهتها ،وموجوده في مختلف المؤسسات الخدماتية والبلدية والخاصة ، وبات التهرب الضريبي ودفع المستحقات للوطن وتسديد الالتزامات ظاهرة بشكل اوسع ،وقد رأينا وعشنا في رمضان الماضي كيف تصدت النقابات والهيئات التجارية والصناعية لقانون الضريبة الذي يمس مصالح تلك الطبقات التي تبدع وعبر خبراء ومختصين في النفاذ والتهرب من الضريبة والتلاعب بالسجلات ، وكيف يعبثون باجراءات ادخال البضائع واستخدام الواسطات والطرق الملتوية والمحرمة ايضا للتهرب من الجمارك حتى استطاعوا " خلق " متعاونين لهم وميسرين لاعمالهم مقابل حفنة من الدنانير تذهب لجيوب اولئك الموظفين بدل ان تذهب للخزينة !!
لا نقول ان اوضاعنا بخير ، فالوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلادنا يضيق اكثر واكثر ، واحوال الناس تسوء باضطراد ، والفساد يتسع ويتعاظم ، لكن هذا لا يمنع اي فرد في مجتمعنا من أن يؤدي واجبه تجاه الوطن وأن يضحي من اجله ، فالتضحية ليس برفع السلاح والدفاع عنه في مواجهات الاعداء فقط ، بل وفي الحفاظ على امنه واستقراره والالتزام بالعمل والانتاج والابداع والتطوير وتقديم ما يترتب علينا من واجبات تجاه الوطن بكب سخاء ، ولو كنا مجتمعا منتجا لما كانت حالة التندر والتهكم تشغل الكثير في هذا الوطن ، فاستمرار تلك الظاهرة سيؤثر سلبا على ثقافتنا وحدود لباقة وقيم المجتمع ، بحيث لا نرى إلا بنظارات سوداء كل خطوة او اجراء ايجابي رفيع يخدم الناس ويتقدم بهم الى الأمام .
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير