الجراد ينعش رواية الفساد في البلاد ..
الأحد-2019-02-24 01:02 pm

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - ابراهيم عبدالمجيد القيسي
الله يسعد هالناس؛ عسى الروح الأردنية تثب وثبتها الى الكوميديا، فما أدراكم لعلنا نظفر بنجوم كوميديا كالعملاق المصري عادل إمام وسائر رفاقه في مسرحية مدرسة المشاغبين، لكن الفرق أننا هنا لا نعيش مسرحية محدودة، بل مسرحا مفتوحا روح السيناريو في مسرحياته جميعا هي ذاتها "مدرسة المشاغبين"..
يجب أن نشكر وزارة الزراعة أيضا، التي ومن غير سابق تخطيط ساهمت في كشف خفة الروح الأردنية، مرة بقصة الغزلان وأخرى بقصة انقراض الحمير، واليوم تفتقت العبقريات الكوميدية الساخرة، وانبعثت روح المشاغبة المستترة في وطن أصبح مدرسة للمشاغبين، وقرأنا "نهفات" عن قصة الجراد ومتلازمته مع الفساد..شكرا لوزارة الزراعة.
لا أتفاجأ مطلقا من غياب العلم والمنطق والموضوعية، حين يعلق المواطن العادي أو النخبوي المثقف أو المسيس أو حتى المعاق عقليا.. على الأخبار التي يقرأها، وحين تقوم وزارة الزراعة بعملها الطبيعي وتتأهب لاستعدادات تقع في صلب واجبها وهو حماية القطاع الزراعي، بحماية المزروعات والتربة من احتمال زحف الجراد الى البلاد قادما من الصحراء العربية الجنوبية، فلا يؤخذ الموقف على محمل العلم ولا المنطق ولا الجدّ، بل يقفز الهزل وال"بدل" الى السطح، وتفوح روائح المخ الغريبة..
إجراء الوزارة وقائي احترازي، يعبر عن جهوزيتها وعدم اغفالها لمثل هذا الاحتمال الذي قد يتحقق ويهدد المزروعات، علما أنني لا أعتقد مطلقا أن الجراد سيصل الى الأراضي الأردنية، ليس للأسباب التي يذكرها الأردنيون الذين علقوا بأقوال ( يا جراد قد سبقك الى البلاد جراد) ، (الفساد لم يترك مرتعا للجراد)، (الشباب المتعطل يزحف لعمان والجراد الصحراوي يؤازره)..وتعليقات كثيرة أخرى.
ولا أعتقد بأن الجراد سيؤازر المتعطلين عن العمل ولا أن يزحف باتجاه الأردن ليقابل العيسوي، ولا أن يكلفنا غير الذي حدث وما زال مستمرا، وهو انهمار مطر السخرية والتندر الذي جعل من بعضنا نرفرف بالكلمات المتقاطعة كما يرفرف الفراش هذه المرة وليس الجراد.. لا أعتقد بوصول الجراد لأسباب علمية:
الجراد الذي نتحدث عنه في صحراء السعودية، هو في طور حوريات، والحورية من الجراد قد تكمل دورة حياتها في شهرين كحد أقصى لتتحول الى جرادة كاملة يمكنها الطيران، أما قطعان الحوريات من الجراد الصحراوي المتواجدة على الأراضي السعودية، فهي حوريات، والحورية لا تطير بل تقفز قفزا، وحين تكون في قمة نشاطها وتقفز بلا توقف ولا أكل، فإنها تقطع 3 كيلو متر كحد أقصى، علما أن قطعان الجراد موضوع الخبر تتواجد على بعد 500 كيلومتر عن الحدود الجنوبية، أي أنها تحتاج الى 3 أشهر من القفز لتبلغ حدودنا، وحتى لو بلغتها في هذه الأيام، فهي لن تتمكن من العيش في درجات الحرارة في فصل الشتاء الأردني، لأن الجرادة يلزمها على الأقل درجة حرارة 19 مئوية لتتمكن من التعايش مع البيئة بشكل طبيعي، ولا يمكن لجراد أن يضرب في مناطقنا ويؤثر على المزروعات الا بعد شهر أيار حيث نهايات الربيع وبدايات الصيف واكتساء الأرض بالمزروعات والأعشاب، لكن الخطر يكمن في بيوضه التي قد يضعها في مثل هذه الفترة من الصيف والتي قد تفقس خلال أقل من شهر، وتنطلق أجيال حاشدة من الحوريات التي تحتاج الى أكثر من شهرين لتطير وتهاجر الى الجنوب الإفريقي أو الى صحارى الجزيرة العربية.
الجراد الحقيقي الذي يقضم كل فكرة ومعنى وشعور وطني، هو التعامل بسخرية مع الوطن وقضاياه ومؤسساته، وقضم الثقة بين المواطن وهذه المؤسسات والسلطات، وهذا التندر والسخرية من أهم البيئات المطلوبة لقضم ما تبقى من الثقة، وتحويل الدنيا الى مجرد مزاد.. يتقدم فيه المزايدون بالنكات والطرائف تعزيزا لخطاب الانهيار..
"صرصرة" الجراد وتغريبته المحتملة كغيرها من التشريقات، تمسخ تفكير العباد للإنقياد في مزاد، يملأ البلاد حتى التخوم يطارد الفساد المزعوم، كفارس يركب أجنحة أسطورية لجراد ما زال في طور حورية، ولا نسمع "صرصرة الجراد" إنما "سرسرة وفساد" تقفزان من فانتازيا الصورة الى مقبرة عامرة بجثث مسحورة.

