الرزاز بين الموروث والمأمول الجزء الثاني
السبت-2019-02-23 10:05 am

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب: علاء أبو صالح
توقف الجزء الأول من هذه المقالة، إن جاز تسميتها كذلك، عند الظرف التاريخي الذي جاء بالراحل د. منيف الرزار منقذاً للبعثية الاشتراكية العراقية، ذلك على الرغم من نصائح رفعت عودة للراحل د. منيف بعدم الذهاب للعراق، كما تفضل وأعلمني الأستاذ الكبير أحمد سلامة، وصحح لي أيضاً الاستاذ أحمد سلامة أن منيف الرزاز زار الاتحاد السوفيتي مع رفعت عود، رحمها الله، بصفته صديقاً لعودة وليس بصفته عضواً في جمعية الصداقة الأردنية السوفياتية، أو صديقاً للسوفيات.
وتعمد الجزء الأول النظر لموروث د. عمر الرزاز من الجانب الإنساني لهذا الموروث، ذلك لأن هناك دائماً زاويةً إنسانيةً في صنع التاريخ وفي صنع القادة والقيادات. فالتاريخ لا يصنعه رجالٌ خارقون، بل من يصنع التاريخ رجالٌ عاديون، تتفوق هممهم على هموهم. وهذه هي الصورة التي بدا عليها د. عمر الرزاز عندما كان وزيراً للتربية. فقد ظهر الرزاز رجلاً عادياً قريباً للقلب، يلبس الجينز في أيام السبت في وزارته، يتواصل مع موظفي وزارته، ليلاً نهاراً مستخدماً الواتساب، يسافر إلى Bett في لندن على الدرجة السياحية حاملاً بيده كتاب، يرد بتغريدته الأشهر قبيل إعلان نتائج الثانوية العامة على أحد السائلين (كمل نومتك)، وهذا اسلوب لم يعهده الأردنيون في وزارئهم. وفي أكثر من لقاء جمعني بوزير التربية في حينها، ظهر الرزاز بوصفه الرجل الأكثر هدوءاً في تلك الاجتماعات، رغم محاولات الاستفزاز أحياناً، ورغم عبء أزمات عصفت بوزارة هي الأكبر في المملكة، وهي الوزارة التي بدت في حينها الوزارة الأكثر بعداً والأكثر تناقضاً مع كل خبرات الرزاز الحياتية والعملية، وحتى العائلية. وتصاعدت وتيرة الأزمات في حينها لتشمل حراكاً شعبياً من كل وفي كل المحافظات ضد حكومة الملقي الذي بدا نقيضاً تاماً للرزاز، وسيأتي الحديث عن ثنائيات التضاد التي لازمت حكومة الرزاز.
يقول الرئيس الأمريكي الأسبق، آيزنهاور أن في ثنايا كل أزمة فرصة ٌ متنكرة، ولا يعتقد لأي لحظة أن هذا القول الشهير لآيزنهاور لم يكن حاضراً في وجدان الرزاز، إما من خلال دراسته تاريخ الفلسفة في بيروت أو من خلال دراسته وعمله في في بوسطن، تلك المدينة التي فجر منها جورج واشنطن الثورة الأمريكية من تحت ظلال شجرة مقابلة لجامعة هارفرد التي تخرج منها الرزاز.
إن الجانب الإنساني لهذا الموروث مثّل "أوراق اعتماد" قدمها التاريخ الحي للرزاز، ومثلت أوراق الاعتماد هذه مؤهلات كافية لقيادة الحكومة الأردنية، على الأقل من وجهة نظر الشارع الذي ثار على حكومة الملقي، فقد رأى الشارع في دولة د. عمر الرزاز المنقذ والمخلص من مسالك الهلاك الاقتصادي التي ساقت الحكومات المتعاقبعة الشعب إليها. فالرجل يحمل شهادة الدكتوراة في التخطيط من جامعة هارفرد، الجامعة الأقدم والأعرق في الولايات المتحدة، وخبر البنك الدولي ومتاهات المفاوضات معه أثناء عمله مديراً للبنك الدولي/ الأردن، ويحمل إرث د. منيف الرزاز، وأرخ لمسار مؤنس الرزاز، وهو الرجل الأقرب لنبض الشارع، وهو الأقدر على قيادة هذه الحكومة في مسار هذه الأزمات وتداعياتها، أو هكذا بدا للجميع في حينها، ذلك لأن الشارع والنخب السياسية ربطت بين الوزن التاريخي للدكتور عمرمنيف الرزازوإرثه العائلي والإنساني من جهة وبين الأداء المتوقع منه كرئيس للحكومة من جهة أخرى.
لا تأمل ولا تسعى هذه المقالة أن تعرض لأداء رئيس الحكومة بمنطق الدعاية أو منطق التبرير أو التشهير أو أن تكون جزءاً من حملة ما. فحكومة الرزاز جاءت بعد "هبّة رمضان"، إن جاز تسميتها كذلك تيمناً بهبة نيسان 1989. إن ما حصل في الأردن في رمضان أكبر من الشخوص، فما حدث في الأردن لحظة فارقة في التاريخ الأردني يجب أن توضع للدرس، بحيث تكون الحقيقة في خدمة دروس المستقبل في الأردن كتجربة للأمة، فالشعب في حينها عمد قراره وأدخله في مرحلة البناء الذاتي.
يتبع في الجزء الثالث.

