النسخة الكاملة

"عمر الرزاز" بين الموروث والمأمول

الإثنين-2019-02-18 09:11 am
جفرا نيوز -
جفرا نيوز - كتب: علاء أبو صالح
الجزء الأول يقول ونستون تشرشل أن أفضل معلم للسياسة هو كتاب التاريخ، وفي هذا السياق لا بد لنا من أن نميز بين الماضي الجامد والتاريخ الحي للشعوب. لم يكن د.عمر الرزاز قادراً، ولا يطلب منه أن يكون قادراً على تجاوز التاريخ الحي لعائلته التي يصفها هو بقوله "ما يميز تجربة هذه الأسرة هو كثافتها على المستوى الإنساني والفكري والأدبي والسياسي".
إن ما يأمله الشارع، أو ما كان يأمل به، من (د.عمر الرزاز) بوصفه رئيساً لمجلس الوزراء لا يمكن إدراكه بمعزل عن الموروث الذي يحمله نفس الشخص لكن باسم (عمر منيف الرزاز). وعلى الرغم من غزارة الانتاج في أعمال منيف الرزاز الفكرية وكثافتة في أعمال مؤنس الرزاز الأدبية، فإن التاريخ الحي لمنيف الرزاز لم يتسنى له أن يكتب أو أن يؤرخ له بشكل موضوعي، خاصة في ظل خلافات البعث الداخلية، وفي ظل انشقاقات شهدتها هذه الحركة التي تميزت بخليط أيدلوجي وضع الوحدة قبل الحرية في شعارته، فانتهت كل شعارته القومية والاشتراكية بين أيدي العسكرين. وانطبق ذلك، على البعث بشقيه السوري و العراقي.
وفي العودة للتاريخ الحي لمنيف الرزاز، الذي انتخب أميناً عاماً مساعداً للقيادة القومية لحزب البعث، وذلك دون علمه ودون استشارته، وحتى دون وجوده في العراق في حينها، فقد تم انتخابه أثناء زيارته لموسكو مع رفعت عودة حين كانا عضوين في جمعية الصداقة الأردنية الروسية، وشاركه في حينها منصب الأمين العام المساعد كل من شبلي العيسمي و ميشيل عفلق وصدام حسين، ذلك في عهد الرئيس أحمد حسن البكر.

كان البعث العراقي بدهائه السياسي يحاول استمالة منيف الرزاز إلى جانبه منذ العام 1968 خاصة بعد صدور كتابه الأشهر (التجربة المرة) عام 1966، طمعاً بفكره من جهة، ونكاية بالبعث السوري من جهة أخرى.
وفي قضية ظنية غير قطعية في العام 1979، أو ما عرف في حينها بمحاكمات قاعات الخلد، اصطدم منيف الرزاز، أو كما هو اسمه في جواز سفره (أحمد منيف الرزاز) مع صدام حسين، وكان صداماً غير متكافئ بين من يملك السلطة والقوة وبين المنظّر الأشهر والأكثر عمقاً في تاريخ البعث والتنظير للفكر القومي، ونتج عن هذا الصدام (اغتيال بكاتم الصوت) كما وصفه الأديب الأشهر في العائلة مؤنس الرزاز.
وعلى الرغم من وساطة الراحل الملك الحسين بن طلال، رفض صدام حسين الإفراج عن منيف الرزاز وذلك خوفاً من نسخة ثانية من "التجربة المرة" تستهدف هذه المرة البعث العراقي، وبقي الرزاز تحت الإقامة الجبرية حتى توفي في ظروف غامضة في بيته كرادة مريم، وعاد جثمانه بترتيبات خاصة اشتملت على اشتراط عدم التشريح لمعرفة سبب الوفاة.   ذلك هو الموروث وهذا هو التاريخ الحي لعائلة الرزاز، وكان لا بد من لنا من عرض هذا الموروث لنتقل للحديث عن المأمول في الجزء الثاني. إن الظرف التاريخي الذي جاء بمنيف الرزاز منقذاً للبعثية الاشتراكية العراقية ليتقاطع في كثير من معطياته مع الظرف التاريخي الذي جاء به عمر الرزاز منقذا للرأسمالية الأردنية وفي ذلك مفارقة تاريخية يصعب فهمها.
 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير