النسخة الكاملة

قانون "منع الجرائم" يعود للواجهة .. الخلل بالتطبيق ومنظومة التشريعات والورقة السادسة للملك "الحل"

الإثنين-2018-07-23 02:57 pm
جفرا نيوز - جفرا نيوز - شـدي الزيناتي
مازال قانون منع الجرائم والتوقيف الاداري يثير حالة من الجدل الكبير لدى الاوساط السياسية والقانونية والشعبية على حد سواء ، وسط ارتفاع ملحوظ بالمطالبات بوضع حد لصلاحيات الحكام الاداريين واشارات بعدم قانونية القرارات وتغولها على القضاء ، والاتفاق على ان الصلاحيات الممنوحة لهم فيها كثير من العرفية رغم الدور الكبير الذي يقومون به في حفظ امن المجتمع باعتراف اطيافه وهنا يكمن الجدل . المطالبون بذلك الامر اشاروا لضرورة ان تكون هناك جرائم محددة واسس واضحة للحالات والقضايا التي يتم عرضها لدى الحاكم الاداري كـ قضايا القتل والشروع بالقتل والسرقة وهتك العرض وشاكلتها ممن تؤثر على سلمية المجتمع وامنه . الامن العام من جهته يتحمل جزءا من هذه القضية المثيرة للجدل حيث يتم التنسيب من قبل قضائيات المراكز الامنية واقسام البحث الجنائي بشكل اكبر بتلك الاعادات واكثرها يكون على قضايا لا تستحق او مشاجرات ولحالات لا يكون فيها المشتكى عليه صاحب اسبقيات ولا يحمل قيودا . نعلم ان قانون منع الجرائم وما يسمى بالاقامة الجبرية ساهم كثيرا بضبط عديد الحالات والقضايا والممارسات السلبية ضد الخارجين عن القانون واصحاب الاسبقيات الجرمية المسجلين خطرا ، لكن بذات الوقت ذهب ضحيته مئات الاشخاص من غير اولئك نتيجة لتلك القوانين والاجراءات التي تعتمد على رؤية الحاكم الاداري الشخصية وفهمه لتطبيق القانون ، وكذلك لتنسيب مرتب البحث الجنائي دون الاعتماد على اي اسس واضحة وقانونية في كثير من الاحيان . كما ان توقيف المشتكى عليه اداريا بعد الافراج عنه من قبل المحكمة يعد تدخلا صارخا وتغولا على السلطة القضائية من قبل نظيرتها التنفيذية ، وهي التي ينادي جلالة الملك دوما باستقلاليتها وشكل لها مؤخرا لجنة ملكية لتطوير جهازها ، وينادي جلالته دوما بدولة المؤسسات والقانون ، فكيف يمكن ان تتحق الدولة المدنية ودولة القانون في ظل ذلك ؟ من جهة اخرى فان عديد الموقوفين اداريا في السجون لم يتم توجيه تهم لهم ولم يعرضوا على القضاء ومنهم من قضى عاما او اقل قليلا في السجون على خلفية قرار لحاكم اداري ، فمن سيعيل اسر اولئك الموقوفين ومن سيطعم ابنائهم ، وكيف يمكن ان تنصلح احوالهم بعد توقيفهم دون ادنى جرم وربطهم بالاقامات الجبرية ؟ فلن يستطيعوا العمل ولن يستطيعوا اعالة اهليهم ، وبالتالي سيخرج علينا جيلا جديدا من الاباء والابناء ناقم على الدولة والقانون والجهاز الامني ويشكل داعما اساسيا وممولا بشريا للجريمة والارهاب . نائب الزرقاء قصي الدميسي وفي رده على البيان الوزاري لحكومة د.عمر الرزاز كان قد طالب الحكومة باعادة النظر بما يسمى الاعادات الادارية ، خاصة بعدما يبت القضاء بالدعاوى مما يشكل اعباء مالية واجتماعية جديدة وكبيرة على المواطنين المعادين من توقيفات او كفالات مالية او عدلية او حتى اقامات جبرية. وطالب الدميسي بالافراج الفوري عن الموقوفين الاداريين دون اي تهم موجه ومسندة اليهم ، ومضى على توقيفهم ستة اشهر ومنهم تسعة شهور واكثر ، مشددا على ضرورة ايداعهم للمحاكم المختصة للبت في قضاياهم ، متسائلا عن منظمات حقوق الانسان عن ذلك الامر ؟ ولفت الدميسي الى التوقيف يتم بذريعة ان عددا منهم من ارباب السوابق ، متسائلا بذات الوقت اليس هناك من تاب الى الله منهم ويريد العودة للطريق الصحيح ، مطالبا الحكومة ان تتحمل مسؤولياتها بالانفاق على عائلات اولئك الموقوفين ان اصرت على قراراتها بابقائهم في السجون دون محاكمة . الحكومة كانت قد سحبت سابقا المشروع المعدل لقانون منع الجرائم لسنة 1954 النافذ، قبل السير باجراءاته الدستورية الى مجلسي النواب ثم الاعيان بسبب تخوفاتها من فتح كامل قانون منع الجرائم المثير للجدل على المستوى المحلي والدولي . وسحبت الحكومة مشروع القانون بعد استمزاج اطراف نيابية نافذه في مجلس النواب ، حيث توصلت الى نتيجة مفادها انه وفي حال دفعت الحكومة القانون الى المجلس فان النواب سينظرون القانون كاملا ولن يقف الامر عند النظر بالتعديلات التي تريدها الحكومة فقط ، وعليه قررت سحب المشروع . فـ خشيت الحكومة وقتها فتح القانون النافذة لسحب الصلاحيات الواسعة للحكام الاداريين (المحافظين ، متصرفين ، مدراء الاقضية ) الواردة في القانون وهي :" التوقيف والحجز الاداري والتحفظ على الاشخاص بحجة حمايتهم او حماية المجتمع منهم ، بدون سند قانوني " وفق منظمات هيومان رايتس ووتش الاممية التي أطلقت عليهم وصف – ضيوف المحافظ – وطالبت بالغائه اضافة الى خوف الحكومة من نزع صلاحيات الحكام الاداريين ، في قضية "الجلوة" العشائرية و"فورة الدم ". وتضغط المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية على الحكومة باجراء تعديلات واسعة على قانون منع الجرائم والحد صلاحيات الحاكم الاداري لصالح سيادة القانون ، التي انتزعت السماح للموقوف بتوكيل محام خلال التوقيف الاداري حيث يتيح قانون منع الجرائم سلطات واسعة للحكام الاداريين عند تطبيق الاجراءات بكافة مراحلها دون سند قانوني تحقيقا لتقاليد واعراف عشائرية. وفي كل الحالات تقريباً، فإن عديد المحافظين والمتصرفين، الذين يخولهم القانون الأمر بالاحتجاز الإداري، قاموا بانتهاك حقوق إجراءات التقاضي السليمة لمن تم احتجازهم من أشخاص فـ أكثر من شخص من كل خمسة أشخاص في السجون الأردنية يخضع للاحتجاز الإداري وفق احصائيات سابقة . قانون منع الجرائم لسنة 1954 يسمح للمحافظين بالمبادرة بإجراءات بحق الأشخاص الذين "على وشك ارتكاب أي جرم أو المساعدة على ارتكابه"، ومن "اعتاد" اللصوصية أو إيواء اللصوص أو المساعدة على إخفاء الأموال المسروقة، أو كل من كان في حالة تجعل وجوده طليقاً بلا كفالة " حيث يلجأ المحافظون في أغلب الأحيان إلى التذرع بهذه الفقرة الأخيرة من القانون، فـ استخدم مسؤولون القانون لاحتجاز اشخاص لمجرد خروجهم على الأعراف المحلية، مثل الباعة المتجولين او المتسولين او اشخاص تم ادانتهم بجرم سابق. يعلم الشارع الاردني تماما ان القانون يستخدم في الحالات التي قد يتبين فيها أن المجرم غير مذنب لكنه خطر على المجتمع ولايمكن إيداعه الحبس إلا بهذه الطريقة ، فـ يرى السواد الاعظم من الاردنيين ضرورة تعديل قانون منع الجرائم بسبب أحكامه الفضفاضة إلى حد كبير وجراء تطبيقه بشكل تعسفي في احيان كثيرة ، وهو ما يؤدي بدوره إلى تقويض مزاعم الدولة بكفالة سيادة القانون ، حيث ان القانون افترض الوقوع بالذنب،ويقع على عبء المدعى عليه دفع الاشتباه عنه من كونه "خطر على الناس" أو "على وشك ارتكاب جرم" أو "اعتاد" اللصوصية وعلى المشتبه أن يُقنع المحافظ بأن هذه الافتراضات لا أساس لها ، رغم ان القاعدة العامة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان أن الاحتجاز، يجب أن يكون هو الاستثناء وليس القاعدة الجدل مفتوح على مصراعيه ما بين مؤيد وداعم وما بين مطالب بالتعديل واخرون بالالغاء ، الا ان الغالبية تقر تماما بالدور الامني الكبير للحكام الاداريين بحفظ امن وسلامة المجتمعات المدنية والتشبيك ما بين كافة مؤسسات الدولة في مناطقهم الادارية ، اضافة لدورهم الكبير بالتعاطي والحفاظ على التقاليد العشائرية للمجتمعات المحلية ، ويرون ان المطالبة بتعديل القانون امر صحي يتوافق والعصر الحديث خاصة وان القانون تم اقراره منذ عام 1954 ، وان عديد الحكام الاداريين لا يمتلكون النجاعة السياسية والقانونية والحنكة المطلوبة للتعاطي مع هذا القانون الفضفاض وكثير منهم يقوم فقط بتطبيق ما يرد اليه من مرتبات البحث الجنائي والاجهزة الامنية ! وبرغم كل الجدل الدائر هنا الا ان الخلل ليس بقانون منع الجرائم بحد ذاته حسبما نرى وانما يكمن بمنظومة التشريعات القضائية التي التي تدفع "جبرا" الحكام الاداريين لتطبيقه ،وعلى رأسها قانون المحاكمات الجزائية ، فالغاء القانون او تعديله دون ذلك يعد "مخاطرة امنية" لا يحمد عقباها ، فـ بحديث لـ جفرا نيوز مع احد الحكام الاداريين طالب خلاله بتجميد القانون لمدة 6 شهور ليلمس ويرى المواطن وكافة الجهات في الدولة اثر عملهم ونتائج ذلك التجميد على الارض ، متابعا ان المجتمع الاردني له خصوصيته وان الحاكميات الادارية اصبحت من اساسات استقرار المجمتعات في البلد لما لها من دور كبير في حفظ الامن وحقوق المواطنين وركيزة هامة داعمة للقضاء. الخلل يكمن ايضا "فيمن" يطبّق القانون من الحكام الاداريين الذين يعدّون خط الدفاع الاول عن امن المواطن امام اصحاب الاسبقيات والسير الجرمية ، حيث ان القضاء لا يجيز توقيف كل من يقوم باي جنحة تقل عقوبتها عن العامين ، وفي السياق نذكر نجاحات بتطبيق القانون بشكل ملفت وواضح من قبل عدد من الحكام الاداريين تمثل بعضها وليس على سبيل الحصر في محافظ العاصمة سعد شهاب ومساعديه وفي متصرف الرصيفة د.ماهر المومني ومساعده ، ونائب محافظ الكرك عدنان القطارنة ، وأمين عام وزارة الداخلية الحالي " محافظ الزرقاء السابق " د.رائد العدوان ، الذين تعاملوا وحسب مراقبون بتطبيق القانون بشكل كبير العدالة والمساواة واظهاره في مكانه الصحيح وكان للنتائج على الواقع الاثر الكبير في الحكم على ادائهم وتراجع نسب الجريمة وحفظ الامن في مناطقهم. تطبيق الورقة النقاشية السادسة لجلالة الملك والمتعلقة بسيادة القانون ودولة المؤسسات هي خارطة الطريق الاقوم لبناء قاعدة يتم الانطلاق منها بهذا الصدد من خلال ، فالتصدي للواسطة والمحسوبية من قبل النواب واعضاء مجالس المحافظات والوجهاء يساهم كثيرا في العدالة وسيادة القانون وتطبيقه وعدم التعامل من قبل الحاكم الاداريين بازدواجية . ان الاوان لاجراء دراسة شاملة وكاملة نحو قانون منع الجرائم والنظر اليه من كافة جوانبه الايجابية والامنية مجتمعيا ومابين سلبيات التطبيق والتعسف فيه من قبل البعض ، و وقف التغول من خلاله على سلطة القانون ، يرافق ذلك تعديلات بما يوجه نحو مجتمع امن يحكمه القانون وسيادته خاصة ونحن نقف على اعتاب تحول مهم في تاريخ الدولة الاردنية واقصد هنا " اللامركزية " والدولة المدنية .  
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير