مدى الحاجة الوطنية الى تشريع ينظم المشاريع الصغيرة والمتوسطة و متناهية الصغر
الدكتورة رنا عيروط
الثلاثاء-2018-05-01 10:27 am

جفرا نيوز -
الدكتورة رنا عيروط
التحولات التي يشهدها الاقتصاد الوطني برمتها تؤكد الى على حشد الجهود المؤسستية والاستراتيجية التي من شأنها الاسهام في إنعاش وتحريك عجلة العجلة الاقتصادية، ولعل المشاريع الوطنية والتوجهات الرسمية خلال الخمس سنوات الماضية تؤكد ذلك، من خلال مشروع اللامركزية وتطوير العمل البلدي والتوجه نحو المدن والمنطاق التنموية والاقتصادية وغيرها من المبادرات الوطنية.
الا ان الواقع يشير الى ان هناك إحتاج وطني للبناء على ما تم إنجازه في هذا الاطار والاسهام في تسريع وتحفيز عجلة الاقتاصد الوطني واتباع جميع الاليات والاجراءات وتطوير التشريعات تنفيذا لهذه الغاية، ومن ذلك، تنظيم وتقنين مسألة المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر بإعتبار هذه القطاعات هي الحرك الحقيقي والفعلي لتنشيط الاقتصاد الوطني.
تشير التجارب العالمية الى إضطلاع هذه الفئة من المشاريع بأدوار وطنية كبيرة على صعيد الاقتصاديات المحلية البسيطة والوطنية والتطور على الصعيد الاقليمي والدولي، فالتطور لبعض الشركات والصناعات العالمية كانت بدايته مشاريع صغيرة او متناهية الصغر فعلى سبيل المثال يمثل ترخيص الاعمال من المنزل ما نسبته 50 بالمائة تقريباً من مجموع المنشآت الصغيرة في الولايات المتحدة (28 مليون منشأة) من جميع قطاعات الأعمال، ويسهم بما قيمته 400 مليار دولار سنويا، اما في المملكة المتحدة يبلغ عدد الأعمال من داخل المنزل حوالي 2.8 مليون منشأة ، وفي دول أخرى تشير الى أن أهم محفزات الاقتصاد الوطني كان حسن التنظيم والتخطيط لتحفيز وتشجيع المهن والمشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.
لعل مزايا تلك المشاريع تكمن أحد أهم عوامل بناء توجه وطني داعم ومعزز للتنظيم والتشجيع حيث تعمل المنشأت والمشاريع الصغيرة على خلق فرص عمل بشكل كبير، وقلة حجم رأس المال المستخدم في إنشائها، و اختلاف أنماط الملكية وفقاً لنوع القطاع، قدرتها على إمداد المشاريع الكبيرة بالمنتجات الوسيطة وبعض المكونات الرئيسة في عملية الانتاج، و قدرتها على الانتشار في مختلف المناطق الجغرافية، و قلة التكاليف اللازمة للتدريب أثناء العمل، و قدرتها على التكيف مع متغيرات السوق، وأكثر استخداما للمواد الاولية المحلية، و قدرتها على الحد من آثار الأزمات الاقتصادية، و تمكين المرأة والفئات الاقل حظا وتيسير مساهمتهم في النشاط الاقتصادي، وتنمية المهارات الفنية والإدارية والتسويقية، وسهولة الدخول إلى أسواق العمل والخروج منها، وتحفيز الاقتصاد المحلي والاستفادة من الميز التنافسية المحلية، والقدرة على الدخول بشراكات مع البلديات.
وعليه، فإن المباشرة في بناء تصورات وطنية حول تطوير تشريع وطني لتنظيم المشاريع والمنشأت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر يعتبر اولوية لا غنى عنها، ولا بد من فتح النقاش العام حول ذلك من يحث رصد التحديات والمعيقات ودراسة الخدمات والمزايا والامور التنظيمية المدقمة من المؤسسات الرسمية وذات النفع العام لدعم المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر.
من جهة أخرى لا بد من الاشارة الى ان الطبيعة الشتريعية لمثل هذه القوانين تبنى بشكل تحفيزي لا تقييدي وتنظم كافة الامور والتداخلات المؤسسية وتقوم على اساس تذليل كافة العقبات الادارية والمؤسسية لضمان استمرار وديمومة المشاريع القائمة وتحفيز الافراد على ترخيص مثل هذه المشاريع.
حيث تشير التجارب الى تخصيص نسب مئوية من القروض والتسهيلات المالية المقدمة من المؤسسات الاقراضية للمنشأة الصغيرة ، فضلاً عن إعفاء من الضرائب لمدد تصل الى عشر او خمس سنوات في بداية التأسيس وتنظيم سجل وطني تشرف عليه جهة مرجعية يتضمن ارشفة ورصد حقيقي لكافة المعلومات الخاصة بهذه المشاريع والمنشأت وعدم اخضاعها الى العديد من الموافقات والتراخيص والتعقيدات الادراية والبيروقراطية التي تحول دون إرادة الافراد في المضي قدماً في المشروع. وتقديم كافة التسهيلات الفنية والدعم اللوجستي لأصحاب هذه المشاريع في الحصول على الدعم للتوسع وكذلك إعطاء الاولية لمنتجات هذه المشاريع في التسويق وفتح الاسواق المحلية و الاقليمة امامها وانشاء شباك الخدمة الموحد في البلديات وضمان الربط والمتابعة مع البلديات في المحافظات وتوحيد مرجعيات الخدمات الدعم المقدمة لهذه المشاريع من خلال موقع الكتروني وطني نظرا لطبيعة التواصل مع القائمين على تلك المشاريع من كافة مناطق المملكة.
وبالضرورة فإن ذلك يحتاج الى توجيه الدعم الرسمي الى تلك المشاريع وتوحيد مرجعيات صناديق الدعم الوطني المنتشرة والتي اصبحت عبئ مضاف على الاقتصاد او تطوير مجلس وطني يضم عضوا من كافة الصناديق والمؤسسات المؤسسية لتبني خطة دعم وطني لتلك المشاريع. وتطوير برنامج وطني للتمويل والقروض للقائمين على تلك المشاريع وفق أكثر من صيغة لضمان استفادة أكبر قدر ممكن .
وهذا بالضرورة يتطلب تحديدا واضحا للمنشأت او المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر من حيث عدد العمال ورأس المال وقطاع الاعمال وفتح المجال امام ممارسة كافة الاعمال من خلال تلك المشاريع وعدم التقييد والتضييق.
الواقع المحلي يشير الى جهود بذلت في هذا السياق من خلال تطوير تعليمات وانظمة خاصة بترخيص الاعمال من المنزل، والتي تعتبر احد اشكال العمل على ذلك، الا ان بناء تصور وطني موحد حيال المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغير يعتبر تصوراً شمولياً اكبر من مسألة ترخيص الاعمال من المنزل هذا بالاضافة الى ان واقع ترخيص الاعمال يشير الى العديد من الاشكاليات والتحديات التي حالت دون تحقيق الغاية منها.

