النسخة الكاملة

مصر مستهدفة

الثلاثاء-2017-05-30 03:36 am
جفرا نيوز - جفرا نيوز- كتب: موسى الحوامدة 

مصر مستهدفة، ليس اليوم فقط، ولكن عبر التاريخ القديم والحديث، فمنذ فجر التاريخ وما قبل التاريخ، ومنذ العصر الحجري الحديث، بدأت الهجرات من بلاد الشام، ومن المشرق العربي، تأتي إلى مصر، وما أن قامت الحضارة الفرعونية قبل ثلاثة آلاف عام من الميلاد، وأرست أول دولة في التاريخ، حتى صارت مصر مطمعاً وهدفاً لكل امبراطوريات العالم القديم، فقد غزاها الآشوريون قبل الميلاد بألف سنة، ثم الفرس الذين احتلوا مصر حتى هزمهم الاسكندر المقدوني، ومن بعده حَكمَ مصر ابنه بطليموس، ثم دخلت مصر تحت حكم الرومان حتى الفتح الإسلامي.

وبعد الفتح الإسلامي وخلال العصرين الفاطمي ثم الأيوبي صارت مصر هدفاً للمغول والتتار، ومن قبلهم ومن بعدهم الصليبيون، ونعرف أن هزيمة التتار كانت على يد قطز حين توحدت الجيوش المصرية والشامية، كما أن هزيمة الصليبيين تحققت في عهد الأيوبيين، وبالطبع تم توحيد مصر وبلاد الشام أيضاً، وكان المصريون جزءاً رئيساً من جيش الأيوبيين.

وفي العصر الحديث، ظلت مصر تحت سيطرة الأتراك العثمانيين حتى الحملة الفرنسية عليها، ثم جاء الاحتلال البريطاني ثم تأسيس الكيان الصهيوني على حدودها، واحتلاله لجزء من أراضيها في العدوان الثلاثي عليها ثم الاحتلال الثاني لسيناء.

مصر مستهدفة اليوم، ليس بسبب الثورة أو الربيع العربي، أو بسبب حكم الرئيس السيسي، أو من جاء قبله من مرسي وحتى عبدالناصر، إلى الخديويين الذين بنوا مصر الحديثة، رغم أنهم حملوها ما لا تطيق من الظلم والديون، وحتى محمد علي باشا وابنه ابراهيم باشا، والاتفاق (كي لا نقول المؤامرة) العثماني البريطاني الفرنسي وحتى الروسي على ضرب الأسطول المصري في منتصف القرن التاسع عشر، خشية توحيد بلاد الشام مع مصر، وانتزاعها من الحكم العثماني الجائر.

لن نبحث في أسباب استهداف مصر تاريخياً، فهذا الأمر منوط بالمؤرخين، ولن أتحدث عن ذلك سياسياً في هذا التوقيت، فهذه مهمة المحللين والسياسيين، ولكن من الواضح لو نظرنا إلى خريطة العالم القديم والحديث فإن مصر سُرةُ الكون، وموقعها الجغرافي خطير، بل إن لـ"عبقرية الجغرافيا" التي ذكرها المرحوم جمال حمدان، لهذا الموقع ضريبة بل أعداء أيضاً.

لكل هذه الأسباب، ولغيرها مما خفي عنا، صار من الواضح أن هناك مخططاً عدائياً شريراً، يستهدف تقويض مصر وتخريبها، ولا بد أن يكون المُخططون هم من قاموا بتخريب العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها.

 لم يكن الأقباط عبر التاريخ، ورغم الكثير من الظلم الذي لحق بهم، معادين للإسلام والمسلمين، فمنذ مجيء النبي "محمد" أرسل له المقوقس حاكم مصر زوجة هي ماريا القبطية، وظل الأقباط عبر التاريخ ورغم كل الأخطاء التي جرت، دعاة سلم اجتماعي وأهلي، حافظوا على دينهم، وهذا حقهم، كما حافظ كثير من المسيحيين العرب في العراق وبلاد الشام عليه، وساهموا في نهضة مصر ودولتها الحديثة، وما استهدافهم اليوم إلا لإثارتهم واستفزازهم ودفعهم للقيام بعمليات انتقامية.

علينا ألا ننسى كيف بدأت الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، حين هوجمت حافلة ركاب فيها لبنانيون وفلسطينيون في "عين الرمانة" قتل فيها سبعة وعشرون راكباُ، العدد مشابه تقريباً لضحايا المنيا. 

ورغم آلام الأقباط الكبيرة، ورغم حزننا الشديد معهم على ضحاياهم وضحايانا، والرفض القاطع لكل اعتداء عليهم، نعتقد أنهم أكثر ذكاء وحكمة من الانجرار إلى المخططات الشريرة التي تحاك ضدهم وضد مصر.

والأمل الكبير معقود على قيادات الأقباط بالتحديد، كي يفشلوا هذا المخطط الشرير، وعلى بقية الشعب المصري والعرب جميعاً، أن يلتفوا حولهم، ويداووا جراحهم، ويمسحوا آلامهم، حتى تمر الفتنة والمخطط الآثم واللعين.

 وظني أن الهدوء والحكمة التي يتمتع بها بابا الأقباط، وقياداتهم، ونخبهم، هي التي ستفسد هذا الشر الذي يكاد يفقد أعصابه، لأن مؤامراته صارت مكشوفة، وجهوده الآثمة لن تفلح.

نشد على يد الشعب المصري كله، وعلى يد الجيش والقوات المسلحة والقوى الأمنية فيها، وهم في هذا الوقت أحوج من أي وقت مضى للتماسك والتعاضد والتعاون والتفهم والتراحم، لكي تتعدى مصر هذا النفق المظلم. وسوف تتخطاه بحكمة شعبها وتسامحه وتكاتفته وأواصر القربى المتينة بين أهله، وهذا التاريخ الطويل من النسيج الاجتماعي العميق والمتميز.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير