تجارب قد تفشل فلا تنسبوها للملك ..
الثلاثاء-2017-05-09 01:12 pm

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - خاص - ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
الكلام غير الموضوعي؛ وحين يصدر عن مواطن عادي قد يكون مزعجا، لكنه يكون خطأ كبيرا حين يصدر عن النخبة وعن السياسيين وقادة الرأي والإعلاميين، فلنكن موضوعيين حين نتحدث عن الحكومات والوزارات، ولننأى بجلالة الملك عن أدائهم، فالدستور بين لنا أن جلالة الملك لا يتحمل تبعة قانونية بل تتحملها الحكومة صاحبة الولاية الدستورية ..
الحكومة ووزراؤها؛ مسؤولون أمام القانون، خاضعون للرقابة، معرضون للنقد، فالحكومة تمثل السلطة التنفيذية، ونالت ثقتها الدستورية من سلطة تشريعية هي مجلس الأمة، وهي مسؤولة بالدرجة الأولى أمام السلطة التشريعية، ويمكن أن تخسر هذه الثقة وتتم إقالتها من قبل السلطة التشريعية لو سقطت في خطأ.
مناسبة الحديث عن الموضوعية تتعلق بوزارة التربية والتعليم، وبتوجهات وزيرها عمر الرزاز الذي نحترمه ونقدر جهوده، وقد سبق وأن كتبت حول توجهات الوزير بالنسبة لامتحان الثانوية العامة وغيرها، وكنت وما زلت أعتبر أن الوزير يخوض تجربة، قد تنجح او تفشل، ولن أتحدث عن رأيي وتوقعاتي لنتائج التجربة، فهي مثلا؛ معرضة لاختبارين واحتمالين مهمين على صعيد الثانوية العامة، وهما احتمالان وشيكان تفصلنا عنهما أيام أو شهور على أقصى تقدير، فسلامة وسلاسة اجراء امتحان الثانوية العامة هي الاختبار الأول، الذي سيكون مؤسفا لو عادت فيه مشكلة الغش والانفلات الذي نعرفه، ثم الاحتمال الآخر وهو القبول في الجامعات بالنسبة للطلبة "الذين أنهوا اختبارات الثانوية.." ولا أستطيع أن أقول الناجحين، فالقصة أصبحت قديمة وربما شتيمة وحديث عن "بعبع" على حد قول القائلين، فقصة النجاح والرسوب في التوجيهي قالوا عنها بأنها انتهت، وأصبحت وبشكل مفاجىء ضرب من قسوة وربما تخلف، كان يمارسه المجتمع والقوانين على امتداد عمر الدولة الأردنية الذي اقترب من 100 عام !!.. عند القبولات الجامعية سيبرز الاحتمال الثاني وعندها سنقول شيئا يعتمد على نتيجة الاحتمال.
القصة؛ بل الثقافة المرفوضة هي المتعلقة بما يقول الناس والنخبة حول جهود وزير التربية والتعليم، حيث تعلو وتيرة الحديث القائل بأن "توجهات الوزير الرزاز مدعومة من قبل جلالة الملك وجلالة الملكة"!!.. وكأن دعم التوجهات الواعدة على مستوى الحكومة أو على أي مستوى في الدولة الأردنية غير مدعوم من صاحبي الجلالة!..هذه طريقة في الكلام يمكن اعتبارها قفزة استباقية لوصف جهود وتجارب غير موثوقة النتائج وتحتاج إلى عباءة الملك، وتشبه في معناها ونتائجها من كان وحين يقع في الخطأ يقول "عنا أوامر من فوق"!.
جلالة الملك وجلالة الملكة يدعمان كل جهود تسهم في فعل الصواب والخير للوطن وللمواطنين بل للناس جميعا، وفي موضوع التعليم والاقتصاد والاصلاح السياسي والتفكير والاعتدال الخ منظومة البناء والعطاء، فإن لجلالة الملك إسهامات ومبادرات وتوجيهات ومواقف داعمة واضحة للعيان، فهو رأس الدولة وعلى تماس كبير مع أغلب الذي يجري في الدولة الأردنية، فلا يجوز أن نعتبره يدعم توجهات الوزير الرزاز حصريا، لأننا ربما نقول كلاما آخر عن توجهات الرزاز لو تمخضت عن فشل لا قدر الله..
في الصباح؛ استمعت للأستاذ الزميل والنائب نبيل غيشان، يتحدث للإذاعة الأردنية، ويؤكد بالقول : "الأمر المهم أن الرزاز يحظى بدعم من جلالة الملك ومن جلالة الملكة"، وكرر العبارة أكثر من مرة، فتمنيت لو أن المذيع الذي يحاور غيشان وبالكاد يسمح له إنهاء عبارة أو فكرة، تمنيت لو قال له إن صاحب الجلالة يدعم كل الجهود الهادفة لتحسين الأداء وتحسين الحياة الأردنية ولا يقتصر الأمر على التعليم..وفي السياق تغنى المذيع بإنجازات كبيرة حققها وزير التربية، وقال إن الناس راضون عما يفعله الوزير ومرتاحون، ولست أدري بل أدري ما سيقوله هو وغيره إن أخفقت التوجهات والمساعي .
التجريب؛ قد يكون مرحلة مقبولة من مراحل اثبات وجهة نظر، وهي مرحلة مطلوبة في أي عملية بحث علمي او بحث عن حقيقة غائبة، وهذا ما يؤكده الاسلوب العلمي والموضوعي الذي يتقصى حل مشكلة ما، وكان وزير التربية موضوعيا وواضحا في هذا المقام، حيث قال عن بعض التوجهات في وزارته بأنها موضوعة للنقاش والوزارة مستعدة لاستقبال أي اقتراح او وجهة نظر، فهو إذا ديمقراطي وموضوعي وصادق، لكن مكمن الخطورة في الموضوع الذي يريد فيه الوزير اقتراحات ووجهات نظر، لأنه موضوع قد تم حسمه كما نعلم، فتطوير التعليم بكل مراحله قالت فيه الدولة كلمتها، من خلال الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، ولا حاجة للعودة بالحديث عنه وذلك من متطلبات وبديهيات الموضوعية، فهناك خارطة طريق واضحة وتوصيات من لجنة وضعت تصورها لكيفية تنفيذ تلك الاستراتيجية، وقدمت اللجنة تصوراتها ..وانتهت القصة، وليس للتجريب وثقافته من مجال ولا مساحة وذلك ان كنا نتحدث بموضوعية وبكلام مسؤول عن دولة قانون ومؤسسات.
بعض الكلام يكون خطيرا وغير محسوب، ويجب على النخبة أن تتوخى الموضوعية والدقة حين تصرح او تدلي برأي بشأنه أو تتقصاه، ومهمتنا في الصحافة أن نشخص المواقف والمشاكل والظواهر والأحداث، ونقدمها لصانعي القرار وللناس من خلال وسائل الاعلام، وحين نتحدث عن تطوير التعليم على كل مستوياته، يجب أن نفهم ونعلم أن أي تطوير يحتاج لبنى تحتية على صعيد الكفاءات وعلى صعيد البيئة التعليمية، وفي الحالة الاردنية نحتاج لأسلوب تعليمي عصري جديد، يعتمد بالدرجة الأولى على معلم مؤهل ومدارس وجامعات مجهزة، أما المنهاج فهو عالمي معروف ولا يحتاج لكثير من اجتهادات وتجريب، فالتعليم المراد تطويره هو العلوم العامة والفيزياء والرياضيات والكيمياء والأحياء وما تفرع منها وسائر التخصصات العلمية والادارية في الجامعات والمدارس، وهي علوم طورها البشر حول العالم، ولا يمكن لنا أن ننسبها إلى شعب بعينه، لأنها علوم موجودة تعتمد على العقل وتهدف إلى إطلاقه وتوسيع مداركه لتحسين ظروف الحياة، وللمرة الألف نقول بأن اللغة والدين والتاريخ والجغرافيا ثوابت في حياة البشر، وهي ليست المناهج الرئيسية في اسلوب التعليم المراد تطويره، إلا ما تعلق منها بالفكر وبنائه وبالفلسفة المبعدة عن حياتنا، وهذه قصة فيها اختلاف تاريخي وتعاني من تعدد الآراء وهي ليست مسؤولية الأردن، فهو بلد معتدل ولا يتبنى وجهات نظر متطرفة او تصعيدية على مستوى الحوار بل الصراع الدموي الدائر منذ 15 قرن من الزمان، نحن معنيون بحل مشاكل التعليم في الأردن وتأهيل الموارد البشرية لتدير شؤون وحياة دولة تضم مجتمعا يستحق حياة أفضل.
فلنطلق العقل والأسلوب العلمي اولا، فهو عنصر رئيسي في التحضر، ولننأى بأنفسنا عن الدوران في فلك الأحاديث "البيزنطية"، التي جعلتنا في ذيل الأمم والحضارات وجعلت من أوطاننا بيئة خصبة للأزمات والتحديات ..
نحتاج المال فـ"دبروا مليارات"، وقوموا بتأهيل المعلمين والمدارس لأسلوب تعليم لا يحتاج منكم بحثا مضنيا ولا تنجيما، فهو معمول به في أغلب البلدان المتحضرة، وكلكم تتداولون أسماءها بلا انقطاع أو تردد او شعور بالغبن، ويوجد في الأردن كثير من المدارس الخاصة تنتهج بعض هذه الأساليب من التعليم، وتتقاضى رسوما فلكية على الطلاب المنخرطين في صفوفها، ونلمس مستوى واسلوب تفكير من يتخرجون منها، ونلاحظ غزارة وأهمية فرصهم بالحياة العملية ..
ibqaisi@gmail.com

