القرار الثاني على صعيد خصخصة التعليم العالي
الأحد-2017-02-26 09:58 am

جفرا نيوز -
جفرا - خاص.
ابراهيم عبدالمجيد القيسي
كان قرار استحداث التعليم الموازي في الجامعات الحكومية هو القرار الأول ..
وفي غفلة من المتابع والمهتم؛ وبلا حوار أو دراسة مقنعة، تتسلل قرارات تفصح عن نفسها بأنها مجرد "تجربة”، قد تفشل وقد تنجح، ولا بواك على الاخفاق وأثره القاسي بحق المجتمع والدولة، وهذا أقل ما يقال وصفا للقرار المتسرع الذي اتخذه مجلس التعليم العالي، بخصوص القبول المباشر لطلبة الطب وطب الأسنان في جامعتي الأردنية والعلوم والتكنولوجيا، وقد تندر أحد الأساتذة الجامعيين الذين يملكون وجهة نظر في هذا الموضوع قائلا، تخيل فائدة إهدائك ربطة عنق فاخرة بينما أنت لا تملك بذلة ولا قميصا ولا حذاء ! ويقول : هذا قرار يلزمه حزمة من اجراءات تسبقه حتى يكون منطقيا .
في سبعينيات القرن الماضي كان عدد خريجي الثانوية العامة محدودا، تستوعبه الجامعات، وكانت لدى بعضها أسس في تصنيف ثم نوزيع الطلبة في كلياتهم حسب التخصصات التي يمكنهم دراستها، لكن ولأسباب متعلقة بحقيقة كثرة الطلبة الخريجين من الثانوية العامة، ومحدودية استيعاب الجامعات، ونظرا لتوخي العدالة والنزاهة والشفافية في القبول، كانت قائمة القبول الموحد في الجامعات هي المخرج، ويمكننا القول بأن هذه القائمة شكلت لدى الناس ثقافة، حول العدالة والنزاهة، وعملت على تحييد الجامعات من صخب الاعتراضات والشخصنة والواسطات والضغوطات المختلفة التي لا يستطيع أن يصمد أمامها أحد أو جهة، ولا نتوقف مطولا بعد ظهور أية قائمة قبول في الجامعات سوى عند مسيئي الاختيار، حيث لا تتحمل الدولة مسؤولية سوء اختيارهم، أي أننا يمكننا القول بأن هذه القائمة أراحت الناس "إلى حد بعيد" من مشاكل كثيرة، وخففت من حدة السخط لدى الغاضبين وقللت عدد المعترضين على اجراءات القبول وفرصة الدراسة الجامعية، فالقائمة عادلة وتعتمد المعدل وتراعي استثناءات ما، فيها منطق نسبي أيضا لأنها مبنية على خلل معروف في توزيع مكتسبات التنمية، وعلى حقيقة أفرزها الخلل وهي تمايز قدرات المؤسسات في التعليم المدرسي من منطقة إلى أخرى، ورغم هذا الخلل فقد كانت القائمة تشكل حلا أقرب إلى العدالة.
في سياق تبرير مجلس التعليم العالي لقراره الأخير، بالسماح لجامعتين القبول المباشر لطلبتهما في كليتي الطب وطب الاسنان، يسوقون مثال "الجامعة الألمانية"! فيقولون سنفعلها أسوة بالجامعة "الألمانية – الأردنية"، باعتبارها جامعة حكومية !.. ولست أعلم بل أتساءل: إن كانت الجامعة حكومية فلماذا لم يدرج اسمها أصلا ضمن قائمة القبول الموحد؟!..فالاستشهاد "بتخصيص" من أجل مزيد منه أمر يتنافى مع العدالة والنزاهة والشفافية المعروفة، الأمر الذي سيولد كثيرا من الأزمات والاعتراضات على القبول في هاتين الكليتين لدى الجامعتين، ويكون المجال مفتوحا للاجتهاد بل وللخطأ البشري، حيث يسمح للجامعات بأن تضع أسسا للقبول لا تعتمد المعدل في الثانوية بالضرورة، وهذا يدخلنا في باب جدل، يشبه إلى حد بعيد جدل الاستثناءات في قبول طلبة التفوق الرياضي والفني والأدبي ..الخ، ويفتح الباب على مصراعية في وجه الجامعات ورؤسائها لمواجهة الغاضبين والمعترضين ..والمتصيدين في كل أنواع الماء، وكأننا في حالة بحبوحة اقتصادية واجتماعية وسياسية، لنتخذ قرارات تقع في باب "التجريب" الذي يمكن تصنيفه بأنه حين يأتي في مثل هذه الظروف يعتبر من الكماليات والترف!.
الظرف العام المحفوف بالتحديات والأزمات؛ سواء المتعلق بالتعليم العالي ومشاكله، وكثرة عدد حملة الثانوية العامة كل عام، وقلة الطاقة الاستيعابية في الجامعات الحكومية،وسلسلة المشاكل المالية التي تعصف بالجامعات وتقيدها، وتكون على حساب برامجها التعليمية ومخرجاتها، وكذلك ما تعلق بالاستثناءات الكثيرة التي قد نقبل ونبرر جزء منها بناء على تشوه في مكتسبات التنمية وعدالة توزيعها، أو المتعلق بالميول الاجتماعية المقيمة بنزعتها التوتيرية الرافضة لكل ما يجري حولها..الخ، وعلى خلفية هذا المشهد نتوقع لمثل هذه القرارات أن تسهم بمزيد من التأزيم والتخبط، وتقودنا إلى مشكلة أخرى وهي "الخصخصة" برفع الرسوم الجامعية، ليمسي التعليم العالي في الجامعات الحكومية محتكرا لرأس المال قبل المال واختلاف الحال، فنعود ونسال السؤال: لماذا إذا سمحتم بالاستثمار في التعليم العالي بترخيص الجامعات الخاصة ما دمتم تسيرون باتجاه "خصخصة التعليم نهائيا" بعد قصة البرنامج الموازي في جامعاتنا الحكومية؟!.
في الجامعتين المشمولتين بالقرار سنلمس هذا "التخصيص" الذي سيقودنا إلى "خصخصة التعليم"، حيث ستكون الفرصة للقبول في التخصصين المذكورين، متاحة أمام الطلبة من المناطق المتميزة بالتعليم المدرسي، الذي نعلم أن مستواه مثلا في عمان متقدم كثيرا عن مستواه في الأطراف والمناطق النائية، وأسباب هذا التميز كثيرة، ليس أقلها ضعف القدرة الاقتصادية عند سكان هذه المناطق، وقلة الخبرات التدريسية مقارنة بمدينة كعمان واربد والزرقاء، فمعلم اللغة الانجليزية مثلا في قريتنا هو من سكانها، ولا مدارس خاصة ولا خبرات او كفاءات تتنافس لتقديم الأفضل، والمخرجات شبه معروفة، فكيف نقارنها بعمان، التي لا تكفي جامعاتها لطلبتها الذين يحوزون معدلات فوق ال 90% في الثانوية العامة، ونجد في بعض السنوات أن مدرسة واحدة من مدارس عمان "الخاصة"، تقدم عددا من الحائزين على معدلات فوق 90% في الثانوية، يفوق عدد ما تقدمه محافظتين او ثلاثة في الجنوب او الوسط وأطراف الشمال، فهل ستكون الجامعات على استعداد للتعامل مع هذه الحقائق؟ وكم سيكلفها هذا من المشاكل والانشغال والاشتباك مع المجتمع والاعلام وغيره !.
هذا القرار؛ وحتى يكون منسجما مع حقائق كثيرة في المجتمع والدولة، يحتاج إلى سلسلة من القرارات والتطوير على التعليم المدرسي، ليكون مبررا ومنسجما مع العدالة والنزاهة والشفافية، وهي قصة لا تقع على عاتق وزارة التعليم العالي وحدها، الأمر الذي يعيدنا إلى المربع الأول وهو حاجتنا إلى تنفيذ "الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية" فهي الطريقة المنطقية للتغيير وتجاوز التحديات على صعيد التعليم وما ارتبط به، ولا أعتقد أن هذا وقت التجريب وإثارة الجدل الذي سيبدو "بيزنطيا" لا يخدم دولة ولا مجتمعا ولا جامعات، وسيؤخر ولن يقدم على صعيد الثقة بهذه المؤسسات.
قرار السماح لبعض أو كل الجامعات بالقبول المباشر للطلبة، ستكون كلفته باهظة على الجميع فارعووا، وترفقوا بوطن لا تنقصه أزمات ولا إخفاقات، فكيف سيكون حاله مع ترف القرارات والمغامرات في مثل هذه الحال من الأزمات والتحديات وانعدام الثقة وجنوح الكثيرين لحديث الانفلات ؟!..
أوقفوا التعامل مع مقولة "لكل شيخ طريقة" فالظلم حين يكون واقعا على الجميع يغدو نوعا من أنواع العدالة، فلا تميزوا جامعات عن غيرها ولا فئات أو طبقات..

