المقاطعة ليست جريمة..
الثلاثاء-2017-02-07 11:04 am

جفرا نيوز -
جفرا نيوز- ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
لكنها قد تكون كذلك حين تقتصر على الدعاية، وتحمل في دعواتها اغتيال الشخصية والإساءة إلى جهات بعينها، وهذا ربما يحدث حين تكون خبرة الداعي إليها متواضعة، وداعية إلى الانفلات أكثر من دعوتها للتعبير بسلوك ديمقراطي عن رفضنا لسلعة ما، بدعوى ارتفاع سعرها أو عدم جودتها أو شعورنا بأنها قد تخدم جهة معادية، ومنافسة للصناعة المحلية..
مقاطعة السلع والبضائع الاسرائيلية مثلا، تنفذها فئات كثيرة من شعوب العالم، بدعاوى أخلاقية غالبا، فالأوروبيون منعوا استيراد وبيع الصناعات والمنتجات القادمة من المستوطنات الاسرائيلية، والشعوب العربية تقاطع البضائع الاسرائيلية لأسباب مضاعفة عن أسباب الأوروبيين، فالمقاطعة بهذا المعنى عمل شعبي مشروع، دعت اليه دول وبرلمانات وقوى سياسية دولية ومنظمات عالمية معروفة.
ودعوات مقاطعة بعض أنواع السلع في الأردن، ليست عملا جديدا تقوم به فئات من المستهلكين الأردنيين، بل إن بعض المسؤولين دعوا إليها حين تتعلق الأمور بالجودة والمواصفات والمقاييس والتنافسية ومشروعية دخول البضاعة إلى الأردن، فالأمر بهذا المعنى ليس بالجريمة بل هو مطلوب حماية للمستهلك.
أما في الحالة التي نعيش من مقاطعات أو دعوات إليها، فهي حالة عادية، لا تتعارض مع أي قانون ولا تمس حقوق أحد، فهؤلاء مواطنون لا يريدون سلعة ما، بسبب ارتفاع سعرها أو عدم تميزها، وربما يكون لديهم البديل أو يمارسون حقا ديمقراطيا قانونيا، لم نعلم في الأردن قبله أو بعده بأن المواطن مطلوب منه أن يشتري سلعة معينة بسعر ومواصفات معينة، ولا أعتقد أن أحدا يدعي بأنه ليس من حق المواطن الاختيار بين سلعة وأخرى، ومن حقه أيضا أن يقول للناس لا تشتروا هذه السلعة لأسباب قد تقنع الناس وتدفعهم لعدم شرائها.
ليس المواطن الداعي للمقاطعة فقط هو من يقع في الخطأ، حين يتجاوز على الآخرين بدعايته للمقاطعة، بل أيضا ثمة جهات متضررة وغير مثقفة ولا وعي لديها بخصوص حقوق الناس السياسية والقانونية، فيعتبرون الدعوة لمقاطعة سلعهم ليست من حق المستهلك، وهم أنفسهم وحين تراجعهم بشأن ما يعرضون من خدمة أو سلعة يقولون لك:
اذا عجبك اشتري، فنحن نقدم خدمة او سلعة منافسة بمواصفات كذا وكذا، اذهب وخذ «صيني أو كوري»...الخ الحكاية المعروفة للجميع، لكنهم يتناسون هذا المبدأ من العرض والطلب والتنافسية والدعاية لمنتجهم وسلعتهم، ويتحدثون بدكتاتورية حين يقوم الناس بمقاطعة سلعهم..!! وهنا يمكن القول لهم ما قاله عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص وولده (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) !
ثقافة المقاطعة سلوك استهلاكي محمود، يطالب السوق بتحسين منتجاتها وترشيد عقل أسعارها، كما يطالب الحكومات بفرض رقابتها على الأسعار، فالأردني قد يدفع كل الضرائب راضيا مرضيا، لكن المشكلة في السوق المنفلتة التي ترفع اسعارها بلا منطق، وهي التي يقوم بعضهم للدفاع عنها بجهل، وباتهام الشعب الأردني بوطنيته والتزامه بالقانون وبمنظومة القيم والأخلاق..
الأردنيون شرفاء، حتى وإن كانوا فقراء، فهم الأكثر خوفا على الوطن والأكثر قدرة وتضحية ليبقى حرا كريما عزيزا.
فاتركوا الناس يعبرون بديمقراطية وسلمية عن مشاعرهم وتوجهاتهم، واعلموا أن في هذه الثقافة كل الخير للوطن، فهي ثقافة القانون والعدالة والنهج الديمقراطي السليم الذي يدعو له جلالة الملك في كل مناسبة وورقة نقاشية وخطبة عرش ولقاء مع الإعلام والناس..
ibqaisi@gmail.com

