قصة أقدم مصور في غزة: إسرائيل تكره الكاميرا
جفرا نيوز - "واحد... اثنان... ثلاثة... تشك شك"، بهذه العبارة يستذكر العم حامد الهنداوي أول صورة التقطها عام 1953، وجعلت منه أقدم مصور في غزة، وعلى الرغم من مرور ستة عقود على ذلك الحدث، فإنه ما زال يحتفظ بالكاميرا التي اقتناها حينها.
بيديه المجعدتين يحمل العم حامد حقيبته الجلدية المهترئة، ويمشي بها بخطوات ثقيلة نحو سريره، يتفقد محتوياتها "أربع كاميرات قديمة معطلة، وشريط صور لونه بني داكن، وأوراق قديمة صفراء، وعدة شهادات شكر وتقدير عن عمله".
أول كاميرا
تحمل تلك الحقيبة ذكريات 53 سنة عمل فيها العم حامد (عمره 73 سنة) في مهنة التصوير داخل قطاع غزة وخارجه، ويعتبرها إرثاً بالنسبة إليه، وكنزاً ثميناً لا يمكن أن يفرط فيه، أو يسمح لأحد بالعبث به.
يقول عن بدايته، "اقتنيت أول كاميرا وأنا في الـ 15 من عمري وهي مع حامل خشبي، يُطلق عليها كاميرا بوكس، وكان بها شريط يتسع لثماني صور فقط، حينها اشتريتها بالتقسيط بـ 20 جنيهاً مصرياً".
لم تدم طويلاً الكاميرا البوكس مع العم حامد حتى اشترى واحدة أخرى، ونتيجة للارتباط الوثيق بينه وكاميراته لا يزال يحتفظ بها، وأطلق عليها اسم "رفيقة الدرب الطويل". يقول، "فور اقتنائي كاميرا متنقلة شعرت أنني أمتلك كنزاً بين يدي، وقتها قررت العمل كأول مصور في غزة".
وحينها لم يكن للعم حامد استوديو يتردد عليه الزبائن، بل أمضى سنوات مهنته الأولى متنقلاً ومتجولاً بين الطرقات والمخيمات يبحث عن منظر لطيف أو شخص يلتقط له صورة.
المصور الرحال
يشرح العم حامد، "في تمام السابعة صباحاً أحمل الكاميرا وحقيبتي وأنزل إلى الشارع، أمشي يومياً نحو 40 كيلومتراً قاصداً مناطق مختلفة في أزقة غزة ومخيماتها، وخلال تلك المسافة ألتقط بالآلة البدائية صوراً متنوعة تحاكي قصص السكان الجميلة ومعاناتهم اليومية".
وبعد ثماني ساعات من المشي على الأقدام بحثاً عن صورة جميلة، يغادر العم حامد إلى غرفته الصغيرة التي خصصها لتحميض أفلام التصوير، يستخرج المميزة منها ثم ينقلها لمعرض صغير صممه داخل منزله. يستذكر أن أول صورة التقطها كانت تعبر عن حياة نساء فلسطين، حيث كن يحملن المياه بجرار الفخار فوق رؤوسهن.
لم يدم العم حامد طويلاً في غزة، إذ سافر للعمل مصوراً في مصر والأردن والسعودية التي كانت أحب المناطق التي عمل فيها وأكسبته خبرة طويلة، وجعلت عدسته مميزة، يقول "عام 1958 انتقلت إلى مدينة الطائف السعودية، وكانت أولى محطات عملي في الأستوديوهات الخاصة، وبعدها عملت في الرياض ثم عدت إلى غزة حاملاً خبرة جيدة ومميزة".
8 آلاف صورة بـ 4 كاميرات
زادت شهرة العم حامد بامتلاكه كاميرا للتصوير الفوري التي أسهمت في تحسين وضعه المادي، وامتلك خلال رحلته في هذه المهنة أربع كاميرات في أزمنة مختلفة، كان آخرها فترة التسعينيات، وعن آلية التصوير حينها يشير إلى أنها كانت تلتقط نحو 36 صورة، ويمكن استخراجها بشكل فوري. وكونت هذه الآلات له أرشيفاً يضم نحو 8 آلاف صورة لا يزال يحتفظ بكثير منها.
وبكثير من الدقة يسرد العم حامد أن في حقيبته ألبوماً فيه صفحات من الزمن الجميل، منها الأبيض والأسود والملون، وخلف كل صورة "قصة إنسان"، وخلال سنوات عمله شغل مصوراً لحفلات الزفاف في غزة، ولمباريات كرة القدم وللأماكن الأثرية والمناظر الطبيعية.
التعديل بالرسم
لم يكن المصور القديم مبدعاً فقط في استخدام آلته، بل يمتلك موهبة الرسم، ويعتقد أنها كانت برنامج تعديل الصور الاحترافي بالنسبة إليه، يقول "لا يوجد في الماضي فوتوشوب، حينها كنت أطبع الصور على ورق، وأجري التعديلات عليها باستخدام الرسم".
وعلى الرغم من أن العم حامد ليس مصوراً صحافياً، إلا أنه واجه في رحلته كثيراً من الصعوبات، كان أبرزها خلال سنوات انتفاضة 1987، حينها أصيب الهنداوي بعيار ناري في ساقه أثناء تصويره بعض المناظر الطبيعية على شاطئ البحر، وصادر جنود إسرائيل كاميراته مرات عدة كان آخرها عام 2004، مما دفعه إلى قول جملته المشهورة في غزة "إسرائيل تكره الكاميرا، لأنها تخشى الفضيحة".
انتهى مشوار 53 عاماً في مهنة التصوير بقرار إجباري، إذ اعتزل العم حامد مهنته عام 2006، بعدما ضعف بصره. يقول إنه يشعر بالحنين إلى زر الالتقاط ولذكريات "واحد... اثنان... ثلاثة... تشك شك".
اندبندنت عربية