
بقلم: محمد داودية (مدير إعلام الديوان الملكي الأسبق)
في تشرين الثاني 1992 كان الملك الحسين، اعظم ملوك بين هاشم، يتأهب للعودة سالما الى أرض الوطن، من رحلة العلاج الأولى الناجحة. في غمرة الإستعدادات الشعبية لإستقبال الملك، سرت إشاعة خبيثة لئيمة "أوجعت قلبي وأظهرتني عاقا جلفا غليظ الفؤاد" كما قال تغمده الله برحمته ورضوانه،لاحقا على "الغداء الوظيفي" في الديوان الملكي الذي كان يحضره عادة الامراء وكبار موظفي الديوان الملكي.
جاء في الإشاعة ان المغفور لها الملكة الوالدة قد توفيت وان الملك الحسين أمر بإبقاء جثمانها في ثلاجة الموتى وعدم إعلان الوفاة الى ما بعد الاحتفالات بعودته الى أرض الوطن.
اذن كان منطوق الإشاعة هو ان الملك الحسين ذو فؤاد قاس لا يرحم و انه يحفظ والدته في الثلاجة كي لا تفسد فرحته وزهوه بالاستقبال الشعبي الكبير المنتظر.
كنت آنذاك "مدير الإعلام والعلاقات العامة للديوان الملكي"وكان الدكتور خالد الكركي رئيس الديوان الملكي وكان واجبنا ان ندحض تلك الإشاعة وان نؤكد على انها ملفقة.
وكان التوجه هو ان نرسل كاميرا التلفزيون لتلتقط صور زيارة "عفوية" لأيتام مبرة "أم الحسين" للملكة الوالدة للتهنئة بشفاء الملك الحسين وان يبث شريط الصور بدون مبالغة او افتعال لتحقيق النفي غير المباشر لإشاعة هي من أحقر الإشاعات التي سمعتها في حياتي.
قمت بكتابة خبر زيارة الاطفال "العفوية" للملكة الوالدة ليبث مع الشريط المصور.
جاءت تعليمات الملك الحسين من لندن: لا تنفوا شيئا، لا تنشروا اي تكذيب بأية صورة، مباشرة او غير مباشرة.
لم يطلع الملك أحدا على ما يدور في رأسه حيال تلك الإشاعة الحقيرة.
كانت الإشاعة تتفاقم و صورة الملك "العاق القاسي الفؤاد" تتفشى ونحن في الديوان الملكي في أبشع حالات الغيظ.
دحض الملك العظيم تلك الإشاعة القذرة بأكثر وسائل النفي إبداعا.
ما ان هبط رحمه الله من الطائرة، حتى خرّ ساجدا على أرض الوطن، شكرا لله على نعمائه، ومن هناك، أمر رحمه الله بأن يتوجه الموكب الملكي المحاط بمئات آلاف المواطنين الى قصر زهران حيث اقامة الملكة الوالدة فقبل يديها وبعث بأبلغ الرسائل التي تجلو الحقيقة.
صورة الملك الحسين وهو يقبل يدي والدته هي اليوم إحدى اشهر الصور الخالدة التي تبرز نبل الحسين وعمق امتنانه للأم العظيمة زين الشرف.
كانت القاعدة الاعلامية الأخلاقية التي تسيّرعمل إعلام الديوان الملكي آنذاك هي :
إنّ نفي الصحيح يدمر المصداقية وينزع الثقة، وهو ما لا يمكن إعادة بنائه او ترميمه