نصوح المجالي يكتب لجفرا نيوز : اعلام الآخرين عندما يُسخرنا لما يريد
الخميس-2013-03-21

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - خاص - نصوح المجالي
يفترض أن يعيدنا الحديث الذي نشرته مجلة الاتلانتك اثر لقاء مع جلالة الملك, الى بعض الحقائق المتعلقة بتصورنا للتوظيف الاعلامي الخارجي, وان اختلاف الساحات التي نتوجه اليها بالخطاب, يجب ان لا يعني اختلاف او تغيير الحقائق, وإن فهم الصحفي الاجنبي وبخاصة اذا كان يهودياً وموالياً لاسرائيل لسياق الكلام, قد لا تحكمه الحقيقة المجردة وحدها, بقدر ما يحكمه الغرض وان تضارب الاغراض الاعلامية احياناً بين الطرف الذي تجري معه المقابلة خاصة اذا كان رئيس دولة أو مسؤول كبير, وبين المفاهيم الراسخة في ذهن الصحفي الاجنبي الذي يدير الحوار مما قد يُعطي صورة مشوهة تـُخرج الحديث عن سياقه.
نحن جميعاً نعرف أن جلالة الملك واجه حالات صعبة وغير عادية مع اكثر من مدير للمخابرات العامة اقتضت احالة اثنين منهم للقضاء وان جلالة الملك يدفع باتجاه عدم تسييس الجهاز وتطويره لتحقيق مزيد من المهنية في اداءه, الا ان دائرة المخابرات العامة كانت دائماً امينة في تقديم النصح الذي يخدم سلامة البلاد وأمنها, ولم تكن طرفاً في الصراعات السياسية على الساحة الداخلية او عنصر اعاقة للتقدم السياسي في البلاد واقصى ما تفعله ان توضح المحاذير في كل حالة يستنير صاحب القرار بالحقيقة من جميع زواياها, ولا يقاس تعامل مخابراتنا مع المواطنين بالادوار المرعبة التي تلعبها مخابرات دول اخرى شقيقة من حولنا, واذا كان رجال المخابرات لا يقولون دائماً نعم, فلأن دورهم وواجبهم وأمانة المسؤولية تقتضي توضيح ما تحمله كلمة نعم أو كلمة لا من مخاطر وهذا جزء من واجب الاجهزة الامنية المكلفة بدرء الخطر عن الدولة والنظام.
أما القول بأن الاردن مُقاول فرعي لمحاربة الارهاب لصالح الولايات المتحدة فهو افتئات على الدور الاردني, فالاردن عانى من الارهاب التكفيري الذي ما زال يهددنا, والذي قتل الناس في فنادقنا وضلل الكثير من ابنائنا, وللاردن مصلحة اساسية للدفاع عن نفسه ودينه وساحته, واذا التقت مصالح الاردن مع مصلحة الولايات المتحدة في محاربة الارهاب, فالاهداف والمنطلقات السياسية تختلف, فالولايات المتحدة استخدمت الحرب على الارهاب لتبرير عدوانها واحتلالها للعراق ولتبرير تدخلها في دول اخرى وسياستها ساهمت في وجود الارهاب على الساحة العراقية وانتشاره, بينما كان الاردن يدافع عن امنه وسلامة بلاده وساحته وقد تلتقي المصالح في تبادل المعلومات وليس في تطبيق السياسات, ثم أن التنسيق مع الولايات المتحدة بشأن مصير وسلامة مخازن الاسلحة الكيماوية في سوريا امر يمس أمن وسلامة الاردن والمنطقة وامر مرتبط ايضاً بالارهاب وخطورة تطور ادواره واسلحته في المنطقة, والولايات المتحدة بالنسبة للاردن دولة صديقة, رغم اختلاف الرؤى والسياسات في المنطقة.
أما القول أن اسرائيل ونتنياهو حريصون على امننا فهذا اسقاط اسرائيلي واضح, فاسرائيل تشكل حالة تهديد مستمر لكل دول المنطقة وشعوبها وعزوفها عن السلام لا يعني الا تبني كافة اشكال العدوان على الحقوق العربية ناهيك عن الامن العربي.
اما وصف رموز العشائر الاردنية بالديناصورات فلا يمكن ان يرد على لسان جلالته بقصد الاساءة وانما بقصد توضيح الحاجة الى بذل جهد كبير لتغيير المفاهيم, والادوار والعادات والتوجهات الراسخة في المجتمع في عملية التعبير الديمقراطي ، لقد شكل ابناء العشائر على مدى عمر المملكة، مصدر دعم وحشد وولاء للنظام الهاشمي وكان ابناء العشائر من السياسيين والاداريين والعسكريين من طلائع قوى التحديث والتقدم في كافة اجهزة الدولة فالعشائر كانت دائماً عضداً للدولة في وجه أي خطر يتهدد النظام والدولة.
اما القول بأن جلالة الملك يريد اعطاء حقوق اكثر للفلسطينيين، بينما قوى الشد العكسي والمخابرات تحول دون ذلك، فهي محاولة مكشوفة، للايحاء بأن ثمة بؤرة انقسام في المجتمع الاردني والدولة، وهذا ما يبحث عنه امثال هؤلاء الصحفيين، وتبحث عنه القوى التي تحاول ايجاد نقاط رخوة تنفذ منها لضرب وحدة البلاد، فجلالة الملك، مظلة ومرجع للجميع، وهو معني بحقوق ومصالح الجميع.
ثم ان ايراد آراء سلبية، حول الزعماء العرب والمسلمين، لا يخدم المملكة وانما يخدم الصحفي صاحب الغرض فعلاقات الاردن جيدة مع جواره العربي وهو بحاجة للتعاون والتشارك مع جميع من حولنا من الاشقاء، لانقاذ الامة مما هي فيه، وهنا خلط الكاتب بين ما يجوز نشره ولا يجوز، وما يدخل في باب الانطباعات التي لا يجوز ايرادها على انها حقائق.
وما قيل عن الاخوان المسلمين على لسان الصحفي الاجنبي، خلط بين تحفظات مشروعة للدولة الاردنية على نزعة الاخوان، للاستحواذ على المؤسسات السياسية وصولاً الى الحكم، كما حدث في مصر وتونس، وعدم ممانعة الاردن بل وحرصه على مشاركة الاخوان في العملية السياسية، كطيف اردني يحظى بالاحترام، مع تأكيد ان المشاركة السياسية جزء من عملية ديمقراطية تداولية لا تسمح لأي حزب أو جهة بالاستئثار او التبعية لجهة خارجية.
للأسف هناك تقليد راسخ في الدولة الاردنية، اننا ننفتح ونثق بالصحفي الاجنبي، والمؤسسة الاعلامية الاجنبية، بدرجة اكبر كثيراً من الصحفي الاردني او العربي، ربما لأن وسيلة الانتشار الاعلامي الاجنبية، اوسع انتشاراً ولانها تخاطب عادة جمهوراً آخر، نود ان نوصل اليه رسالة معينة عن بلدنا.
لكن في ثنايا هؤلاء الصحفيين الاجانب الكثيرين، ممن لا يعملون لصالحنا أو صالح الحقيقة وقد يعملون لصالح خصومنا، ولا تهمهم صورتنا الحقيقية مهما كانت صادقة وشفافة، بل تهمهم الصورة التي يرغبون في رسمها، بخطوط والوان وتحليلات تستمد من كلماتنا، التي لا تستخدم لتوضيح أهدافنا وانما لتمرير أهدافهم، او اهداف الجهات التي يخدمونها.
في بلادنا، نستطيع ان نسخر وسائل اعلامنا لما نريد، اما اعلام الآخرين فعادة يسعى لأن يسخرنا لما يريد وهذا ما تعكسه مقابلة الاتلانتك، خلافاً لما نريد.

