لجنة النزاهة الوطنية خطوة على طريق الحاكمية الرشيدة
الأحد-2013-01-27 05:21 pm

جفرا نيوز -
جفرا نيوز - الدكتور محمود عبابنه
سجل جلالة الملك عبد الله الثاني فضل الريادة والسبق في تبني تفعيل مبادئ الحوكمة المؤسسية الدولية والتي هي من سمات الحكم الرشيد وبتشكيله اللجنة العليا للنزاهة الوطنية من نخبة من المختصين والخبراء وإناطة رئاستها برئيس السلطة التنفيذية دليل على الجدية لاعادة الاعتبار للمؤسسات العامة وتصحيح آلية رسم السياسات لوضع الخطوط العريضة والتفصيلة والخروج بمفاهيم وقواعد واقتراحات على التشريعات التي كشفت التطبيق العملي عن ضعف وثغرات في مضمونها ونأمل أن تخرج اللجنة بدليل واجب الإتباع للمؤسسات ومتخذي القرار لحوكمة السياسات والخطط التنموية وتفعيل دوائر الرقابة من خلال مراجعة التشريعات الوطنية والتنسيب بتعديلها أينما دعت الحاجة .
ولا شك أن مبادرة كهذه لم تأتِ إلا بعد دراسة متأنية وتفكير عميق وبعد نظر واسع الأفق بعد أن شهدنا تراجعاً في الأداء العام وترهلاً إدارياً وغياباً للحوكمة المؤسسيه وهو الذي سمح للفساد الإداري والمالي أن يتنفس الصعداء سواء في القطاع العام أو الخاص وقد زاد الوضع سوءاً انخفاض منسوب سيادة القانون وسياسة المراضاة وتطييب الخواطر .
وبالرغم من أن ظاهرة الفساد أصبحت ظاهرة دولية ، لذا فقد دعت العديد من المنظمات والهيئات الدولية لوضعها على أجندة مواضيع إصلاح القطاع العام وتوجت باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وحماس دول عديدة على إتباع منظومة تشديد الرقابة وتأسيس الهيئات المتخصصة لمكافحة الفساد ، إلا ان الفساد ما زال يطل بظله الثقيل على قطاعات واسعة ومتعددة ، فليس المطلوب الحديث عن الفساد وآثاره المدمرة وبث الشائعات في الندوات والصالونات الضيقة ، بل ان المطلوب مراجعة حزمة من الأعراف والتشريعات والإجراءات المطبقة والتي ينفذ منها الفساد ، وهي ما يسميها خبراء الحاكمية الرشيدة بالنصوص الرخوة والتي يسهل الالتفات عليها وإتيان فعل الفساد المالي وتحقيق المصلحة الفردية ، وإذا قدر لهذه اللجنة التي حازت على ثقة قطاع واسع من الناس النجاح لوجود نخبة من رجالات الوطن المفعمين بالحماس والانتماء فلا بد لهم من وضع ميثاق أو دليل حاكمية رشيد يأخذ بعين الاعتبار عدد من التشريعات والممارسات والنصوص الرخوة ومثال ذلك : ما هو موجود بقانون الشركات فبالرغم من الانتهاء من مراجعة مشروع قانون
الشركات الجديد الذي بدأت مراجعته من عام 2006 والذي لم يحالفه الحظ بالمناقشة امام مجلس النواب المنحل - فأننا ندعو الى التيقن من النصوص الناظمة للشركة المساهمة العامة وإعادة النظر بالحد الأدنى لملكية الشركات المساهمة العامة ، وعدم إجازة تملكها من شخص واحد كما ينبغي التصدي المباشر لمسألة ازدواجية الملكية والإدارة بيد شخص واحد - قد جرى معالجته لدى شركات البنوك والتأمين - كما ندعو لتعديل النصوص المتعلقة بتقديم المقدمات العينية من الشركاء وعدم إيكال مهمة تقديرها لخبراء عقاريين من القطاع الخاص ولا بد من إخراج الشريك من عضوية اللجنة ونوصي إيكال مهمة تقديرها إلى موظفين من دائرة الأراضي ومراقبة الشركات وواحد من القطاع الخاص بعد حلف القسم القانوني على القيام بمهمتهم بأمانه وإخلاص .
وينبغي معالجة النصوص المتعلقة بدمج الشركات فلا يمكن إخضاع زيادة رأس المال للدمج الصوري وتضخيمه وإيهام المساهمين بتوزيع أسهم مجانية بدل الأرباح النقدية فالزيادة ليست ربحاً صافياً لأنه لا يمكن تسييلها كما أن إعادة التقييم مسألة لا يمكن الركون إليها. كما يقتضي الأمر مراجعة نصوص الشركة القابضة ووضع القيود على صلاحيات مجلس الإدارة ورئيسه عند اتخاذ قرارات كشراء شركات فاشلة بثمن عالٍ ومملوكة للأقارب والمحاسيب ، وتحميل خسارتها وكلفتها جيوب صغار المساهمين .
وبخصوص تفعيل وتعزيز الرقابة المالية على الشركات المساهمة العامة فإن أول ما ينبغي الأخذ به هو تدوير مدققي الحسابات وعدم استمرار المدقق للتدقيق على نفس الشركة المساهمة العامة لأكثر من سنتين وإذا كان كل ما أشير إليه يتعلق بنصوص قانون الشركات ، إلا أن هناك أيضاًُ بعض الممارسات التي لا يضبطها قانون أو نظام ولقد أصبحت أعرافاً مباحة قد ينفذ منها المالكين لرأس المال بواسطة غيرهم ونقصد بذلك ظاهرة استقطاب الوزراء السابقين والمسؤولين لشغل مناصب أعضاء مجلس إدارة أو مدراء عامين ، ونقترح تشريعاً يقضي بعدم جواز عضوية الوزير السابق أو مسئولي هيئات الرقابة في مجلس إدارة شركة مساهمة عامة إلا بعد مرور سنتين على آخر يوم له بالمنصب العام .
يجب أن نقر أن لجنة النزاهة المشكلة لا تملك الحلول السحرية لوضع حد حاسم للفساد ولكنها محاولة جادة للتأشير على مواضيع الخلل كمراجعة نظام المشتريات الحكومية والأنظمة الداخلية للمؤسسات المستقلة وقانون وإجراءات وخصخصة مؤسسات القطاع العام وفوق ذلك وضع أسس ومواثيق شرف لتجذير الوازع الاخلاقي عند موظفي الدولة والأمناء على الأموال العامة ومنهم الممثلين للحكومة في مجالس الإدارة في الشركات المساهمة العامة المملوكة من القطاع الخاص والعام لأن نجاح الخطط التنموية الحكومية ، والنهوض بالاقتصاد الوطني ، وتحسين مؤشرات التنافسية ، والرقي بالمجتمع يستدعي تبني مفهوم الحاكمية الرشيدة كمنهاج لسياسة الحكم الرشيد الذي هو الضمان لصحة الادارة العامة واستعادة الثقة بالمؤسسات الحكومية والخدمية اللازمة لجلب الاستثمار بل إن ذلك أول ما يؤخذ بالاعتبار عند تقيم التنافسية في مجال مباشرة الأعمال وحقيقة الأداء المالي للدول ونجاح جهودها هو الذي يساعد على وضع الخطط التنموية الحكومية والنهوض بالاقتصاد الوطني والرقي بالمجتمع .
ان تشكيل اللجنة بأشخاص أعضائها المشهود لهم يقيم رافعة قوية لتسليط الضوء على منافذ الفساد ووضع الحلول والمقترحات المبتكرة للحد من الفساد والترهل والمحسوبية التي أصبحت واقعاً لا ينكر نتيجة تراكمات من سنوات كثيرة لسياسات خاطئة أو غير سليمة ساهم فيها غياب الحاكمية وسوء الإدارة والإنفاق المالي بلا ضوابط .
جامعة الشرق الأوسط
متخصص بالحاكمية الرشيدة
والمسؤولية الاجتماعية

