النسخة الكاملة

وعود النهايات وعهود البدايات

الإثنين-2025-12-29 10:00 am
جفرا نيوز -
بشار جرار

دأب الناس وبعضهم استهان بوعود نهايات السنين. هي أقرب إلى التمنيات أو مجرد إبداء الرغبة أو إظهار النية بالامتناع عن شيء أو الإقبال على شيء، كالإقلاع عن التدخين بأنواعه،  والانعتاق من الإدمان بجميع أشكاله ودرجاته، واستبدال كل ما هو سيء وضار بكل ما هو حسن ونافع.  

العهود أقوى وأسمى من الوعود. فشتان بين نكث الوعود أو النكوص عن البر بها، وبين خيانة العهود والعياذ بالله. لتلك المسألة أهمية قصوى قد تكون حاسمة في تحقيق المراد من الأهداف الخاصة والعامة. مجرد الحالة الذهنية لاتخاذ القرار هو المنصة الحقيقية ونقطة الارتكاز الحاسمة التي ينطلق فيها الإنسان في إرادته الحرة إلى السعي طلبا للنجاة والخلاص والانعتاق من عبودية الإدمان والانطلاق بفرح وأمل ورجاء نحو آفاق لا متناهية من الحرية التي وهبنا الله سبحانه إياها وشرفنا وكرمنا بها كبشر دون تمييز حتى في ما يظنه الناس معيار أو مفاضلة حول من يرى في نفسه الإيمان أو التقوى.

ليس سرا أن خبراء التنمية البشرية والمختصين بتعديل السلوك الفردي والجمعي، ينهلون الكثير من المعرفة من ذلك النبع الدفّاق أو المعين الزاخر من التراث الروحي والمعرفي الإنساني التراكمي للإنسان، فيتم توكيد أهمية اتخاذ القرار في صنع التغيير المنشود من نقطتي ارتكاز لا غنى عن أي منها إن أردنا الصلاح والفلاح، ألا وهو العقل والوجدان (القلب). حتى تكون الإرادة نافذة، لا بد أن يسبقها الوعي الكافي. لن يجسر الهوة بين ما نريد ونصبو إليه، وبين ما سيتحقق بعون الله، إلا بإعمال العقل والوجدان السويّ العامر بالإيمان والسلام الداخلي. ففاقد الشيء لن يعطيه.  

بصفتي «مدمن» سابق على التدخين -تدخين ما معدله أربعون سيجارة يوميا بشراهة ثلاثة عقود، ما زلت أذكر بعرفان وامتنان، وأترحم على الأخ الكبير أو العم «آلن كار» الذي تعلمت من كتابه «الطريق السهل للإقلاع عن التدخين» أن الإدمان وليس التدخين وحده، ما هو إلا وهم من السهل جدا التحرر منه. وقد تم ولله الحمد بمجرد الانتهاء من قراءة الكتاب، تماما كما طلب «كار» من قرّائه في مقدمة الكتاب وهو الوعد بالاستمرار بالتدخين حتى آخر سطر وكلمة، وليس قبل إتمام قراءة الكتاب كله «من الجلدة إلى الجلدة»! تم ذلك ولله الفضل والمنّة في بلاد العم سام التي تكافح التدخين بذكاء واقتدار وفاعلية، في الأول من آيار سنة 2009. نجح العم «كار» فيما أخفق في تحقيقه من هم أولى بصحتي وحياتي على الصعيد الشخصي. «كار» وهو محاسب مالي وليس طبيبا أو خبيرا في الصحة العامة، هو من حررني من عبودية التدخين والإدمان وليست أغنية المرحوم شعبان عبدالرحيم «شعبولّا» القائل «حَبَطّل السجاير في يناير وشيل حديد»!

القصة ليست السجائر. والبدايات ليست مربوطة بالأول من يناير. الحكاية تتطلب دائما بداية قد تكون مصدر إلهام من شخص عزيز أو مختص مقنع أو مجموعة تراكمية تفاعلية من القرارات الحكومية أو المجتمعية أو الأسرية أو الفردية الذكية التي تحسن التعامل مع ملف التحرر من أي شكل من أشكال العبودية أو الاتكالية أو الضعف. المعيار واضح.. ترك ما يؤذيك ويؤذي الآخرين، وخاصة أحباءنا.

ماذا لو وعدنا بعضنا -في أي دائرة من دوائر التواصل الاجتماعي، الخاص أو العام- وعدنا أنفسنا بأن نترك شيئا واحدا ونُقبلُ على نقيضه مع منتصف آخر ليالي 2025؟ ماذا لو كان الوعد قطع التدخين فورا، أو اجتناب مشروبات الطاقة والكحول، أو حصر المنبهات بفنجانيْ قهوة  قبل انتصاف النهار، أو الالتزام بالمسرب أثناء قيادة السيارة، أو الكف عن استخدام الزامور مالم يكن تفاديا وشيكا لحادث. أو في المقابل، تعديل النظام الغذائي بما يقي من الأمراض ويغني عن الأدوية، عالية الكلفة على موازناتنا أجمعين، أو ببساطة المشي خمس مرات يوميا، ولو ذهابا وإيابا في البيت أو المكتب، أو حتى الهرولة «مَحلّك سِرْ»!
ماذا لو كان ذلك «الوعد» في نهاية العام لأحبتنا من الأهل والأصدقاء والزملاء والجيران، ماذا لو كان «عهدا»، عهد البدايات الجديدة، عهدا مع الله الذي خلق فأبدع، وأعطى فأدهش، سبحانه ما لنا من مَعين ومُعين سواه..

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير