جفرا نيوز -
د. دانا خليل الشلول
في الوقت الذي يفرض فيه الواقع المعاصر، الذي يتسم بتنقل الأفراد بين الأقطار، تحدياتٍ كبيرةٍ على الروابط الأسرية بعد الانفصال، تبرز قضايا التواصل وحق المشاهدة لتضع الأطر القانونية أمام اختبار حقيقي في الموازنة بين الحقوق والواجبات، وضمان حق الطفل في الرعاية الكاملة والسند العائلي.
وهنا، تتحدث أم هاني عن معاناتها مع ابنها "هاني" (أسماء مستعارة) الذي يُقيم في أحد دول الخليج وانفصل عن زوجته منذ سنتان ونصف تقريبا، حيث تُقيم زوجته أيضاً في بلد خليجي آخر؛ بحكم عمل كلٍّ منهما، وبعد الانفصال رفضت طليقته أن يكون هناك أي اتصال بين الطفل ووالده، وهنا تقول أم هاني "طلبت طليقته الانفصال لأنّها تريد العمل في بلد خليجي آخر ومستقرّة فيه، ولا تريد الانتقال للبلد الآخر محل إقامة وعمل ابني (زوجها السابق) والالتحاق به، وقررت الانفصال نهائيّاً عن ابني، وهنا بدأت بالدخول معنا بحرب وكأننا في ساحة قتال؛ حيث قطعت جميع سبل ووسائل التواصل والاتصال بين الأب وابنه، وقامت بحظرنا جميعاً على جميع وسائل التواصل؛ من مكالمات، ورسائل، وتواصل اجتماعي."
وتابعت أم هاني حديثها مبيّنةً أنَّ الأمور لم تقف عند هذا الحد "قامت طليقة ابني برفع دعوى قضائيّة نفقة في البلد التي يعمل بها؛ وطبعاً تم الحكم لها بمبلغ (600) دينار شهرياً وفقاً لدخله، وهذا خلال فترة قصيرة جداً لا تتعدى الشهر، مع استمرارها بقطع التواصل تماماً بين ابني وطفله وبيننا وبين حفيدي الذي نتمنى أن نرى وجهه أو نسمع صوته."
في حين تقول أم هاني بحزنٍ وحسرة أنّهم ليسوا محرومين فقط من معرفة أحوال الطفل وأخباره، "بل أنَّها تبث برأس حفيدي البالغ من العمر (6) سنوات أفكار مسمومة من شأنها أن تزرع الكره والحقد في قلب هذا الطفل تجاه والده وتجاهنا، لا سيّما عندما يسأل عنّا وعن والده معبّرة عن ذلك بقولها " لا تسأل عن والدك، فهو لا يُريدك ويكرهك، انساه مثل ما نساك ونادي جدك أو خالك "بابا" ، ويقوم الطفل بهذا فعلاً."
ووضحت أم هاني أنّه تم التقاضي بينهم في المملكة الأردنيّة الهاشميّة بشأن قضيّة المشاهدة والاستزارة، بكونهم مواطنين أردنيين؛ وهذا ما حدث بالفعل؛ وذلك لأنَّه لا يجوز الحكم بمثل هذا النوع من القضايا في بلد آخر وهم يحملون جنسيّة أخرى، لكن أم هاني بيّنت أنَّ هناك مشكلة كبيرة في التقاضي وصدور حكم في القضيّة قائلة "أكثر من سنتان ضاعت ولا يوجد أي نتيجة أو حكم، فهناك إطالة في أمد التقاضي واضحة بشكلٍ لا يوصف، بين تغيّب لمحاميهم عن الجلسات، وطلب تأجيل، وتصديق أوراق، واستئناف، وتغيير قضاة، وعطل قضائيّة، لتبقى القضيّة مُعلّقة دون أي تواصل مع حفيدنا الذي نتمنى أن نراه ونسمع صوته ونحضنه، وهو يعيش مع والدته ببلد آخر ولا نستطيع الوصول إليه ومعزول عنَّا تماماً."
وتتابع أم هاني بأنَّهم لم يتركوا وسيلة تواصل أو تفاهم مع طليقة ابنها لكن دون جدوى؛ حيث هددت ابني بالافتراء والحبس في حال وصل للبلد التي تُقيم فيها وحاول والاقتراب من ابنه ومدرسته، وأنَّه سيُحبس في هذا البلد ولن يستطيع الرجوع إلى البلد التي يعمل ويُقيم فيها وهو في صراع بين ابنه وفقدان مصدر دخله ورزقه.
وتقول أم هاني "حاولنا الوصول لحل للتفاهم معها بشكلٍ ودي لكنها رفضت ذلك بشكلٍ قاطع، حيث أننا عرضنا عليها أن يسافر كل شهر أو أسبوع ليرى ابنه ورفضت، كما أنَّها توقفت عن القدوم للأردن بالإجازات الصيفيّة، حيث كانت تأتي كل صيف للأردن، لكنها امتنعت نظراً لوجود قضيّة تخشى من خلالها أن نرى ابننا وحفيدنا." وتابعت أم هاني حديثها " حتى أننا عرضنا عليها من خلال وسطاء أن ندفع لها وللطفل ثمن التذاكر كلما رغبت بالقدوم للأردن لكن دون جدوى فتعنتها وعنادها واضحان دون أي سبب مفهوم، ودون وجود أي سبيل للتفاهم،
وتضيف أم هاني بأنَّ ابنها (والد الطفل) يراجع طبيب أمراض نفسيّة نظراً لتدهور حالته النفسيّة والتي انعكست على صحته الجسديّة، حيث أنَّه دخل بحالة اكتئاب شديدة؛ فهو يُعلّق صور طفله في كل مكان، ويهذي به وباسمه دوماً، ويفكر فيه ويتخيله طيلة الوقت، ويتمنى أن يعيش معه ويأخذه للمدرسة والتسوّق وأن يعيش معه اللحظات التي يعيشها أي أب مع ابنه.
الطلاق العابر للحدود: حق المشاهدة بين نار التعنّت الأمومي وجليد الانتظار الطويل.
وأنهت أم هاني قصتها بصوتٍ تملؤه الحزن والحسرة، مُتعطّشاً للأمل يتبعه فيضٌ من الأسئلة " لماذا مطلوب منا القيام بواجباتنا من نفقة وغيره وبأسرع وقت ممكن، علماً أنَّ هذا واجبنا ولا نتهرب منه، ومستعدون لبذل كل غالي ونفيس في سبيل حفيدنا، لكن لماذا لا يتصرّف القانون بالصرامة ذاتها أما حرمان أب من ابنه، وحرمان طفل من ابيه وعائلته، ليُفرض عليه أن يعيش كاليتيم الذي لا يملك أهل ولا سند، مزروعاً برأسه أفكار بأنَّ والده لا يريده وينادي شخص آخر باسم "بابا"؟"، وتتساءل أم هاني "هل الأب صرّاف آلي فقط وليس له دور بالرعاية والسند والتربية؟ هل من المنطقي الانتظار الطويل للحصول على حكم المشاهدة؟ هل يُعقل أنَّه بعد التحريض الذي قامت به والدته تجاه والده وتجاهنا، أن يرفض هو لقائنا والحديث معنا وأن يُعادينا مقتنعاً فعلاً بأنَّ لا أحد يُريده أو يحبه؟ وكيف ستكون نفسيته؟ وإلى متى سنبقى دون حلٍ قانونيٍّ قوي يحسم هذه القضيّة التي تسمح للأم بحرمان أب من ابنه وتحطيم نفسيته وأفكاره دون إحساس بالمسؤوليّة؟ هل يُعقل أن يُسمح لحاضنة بالاختباء في بلد آخر ورفضها القدوم للأردن لتحرم طفل من والده دون وجه حق ولا يُحاسبها أحد؟ هل هذا هوالشرع والدين والقيم والأخلاق التي نسير عليها ونلتزم بها؟"
وبحسب الخبيرة القانونيّة الأستاذة ساره الشيخ؛ تُعدّ النفقة من الالتزامات الشرعية والقانونية التي تترتب على الزوج اتجاه زوجته حال قيام العلاقة الزوجية بينهما وحتى بعد الطلاق طوال مدة عدتها ويستمد هذا الحق من أحكام الشريعة الإسلامية وتُقرها مختلف التشريعات المدنية في الدول العربية، وهي حقٌ واجب وأصيل للأبناء كما أنَّه من الديون الممتازة في كلا الحالتين.
أما من ناحية جهة الاختصاص للتقاضي والفصل بين المتخاصمين، فإنَّ قانون أصول المحاكمات الشرعية الأردني يقرّ اختصاص المحاكم الأردنية بالنظر في النزاع الشرعي إذا كان أحد الطرفين أردنيًا أو مقيمًا في المملكة، وذلك وفق المادة ( 3/ب ) منه:
(تختص المحاكم الشرعية بالنظر في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين متى كان أحد طرفي النزاع يحمل الجنسية الأردنية أو مقيماً في المملكة.)
تنتهي هذه القصة بتساؤلٍ حول سرعة تطبيق واجب النفقة مقابل طول الانتظار لممارسة حق الأبوة والتواصل الإنساني وتقديم الدعم العاطفي والسند، في حين أنَّ هذا الواقع يطرح سؤالاً جوهرياً: هل يُعامل الأب كطرف مسؤول عن الالتزامات المادية فقط، بينما يُحرم الطفل من السند العاطفي الأساسي؟ حيث أنَّ هذا يستدعي تدخلاً قانونياً يضع المصلحة النفسية للطفل في المقام الأول