جفرا نيوز -
أ. د. صلاح العبادي
في سباق مع الزمن لمنع انهيار وقف إطلاق النار، تتكثف الجهود الدبلوماسيّة، وفي مقدمتها التحركات الأميريكية لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة نحو مرحلته الثانية.
الإدارة الأمريكية تضع ثقلها السياسي خلف المسار التفاوضي، وتقود اتصالات مكثفة يجريها المبعوث الأمريكي ستيف وتكوف وجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع وزراء خارجيّة قطر ومصر وتركيا؛ في محاولة لتحويل الاتفاق من هدنةٍ مؤقته إلى مسارٍ أكثر استدامةً وسط ضغوطٍ متصاعدة على إسرائيل وحركة حماس لتنفيذ التزاماتهما بشأنِ الاتفاق.
بين الاجتماعات المغلقة والرسائل السياسيّة الحاسمة من واشنطن، يترقب سكان غزّة إذا ما كانت هذه التحركات ستنجح في أن تحوّل الوعود السياسيّة إلى خطوات ملموسة على الأرض، أم أنهم سيبقون تحت تهديد شبه الحرب هذهِ.
فهل يملك الأوروبيون بل والأمريكيون أدوات ضاغطة على نتنياهو وحماس للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزّة؟!
وما الذي يحاول الجانب الأمريكي أن يفعله؟
الرئيس ترامب كان يقول بأنّه لم يكن يريد أن يلتقي مع نتنياهو بل نتنياهو هو من يريد ذلك، في وقت يؤكّد وزير الخارجيّة الأميركي ضرورة التحوّل إلى المرحلة الثانية، ويشير إلى الحاجة لسنوات لتطبيقها.
وهو من المؤكّد بأنّ المرحلة الثانية تشتبك في تعقيدات سياسيّة وقانونيّة؛ لكنّها تحتاج إلى البدء بها؛ فمنذ توقيع الاتفاق في شهر تشرين الأول الماضي لم تشهد المنطقة تحركات جدّية على الأرض لتطبيقها على الواقع، خصوصًا مع غياب تشكيل قوة أمنيًة وهيئة لحكم القطاع بعيدًا عن حماس، وإنسحابٍ إسرائيلي من القطاع، وتسليم السّلاح من قبل الحركة للبدء في إعادة الاعمار.
فهل الجانب الأميركي قادر على الضغط على طرفي الأزمة؟
المرحلة الثانية يبدو بأنّها لا يمكن أن تبدء دون إشارات حول بدء نزع السّلاح. وقبول الحركة بذلك
الاجتماع من قبل الوسطاء الإقليميين في تركيا وقطر ومصر يأتي لتوزيع الأدوار بين الولايات المتحدة من جهة والوسطاء الإقليميين من جهة أخرى، ليتولوا الضغط على حركة حماس، بينما الولايات المتحدة الأمريكيّة تتولى الضغط على إسرائيل. في نهاية الشهر الحالي سيكون موعد الاجتماع بين ترامب ونتنياهو خصوصًا مع تعمق الخلافات بين واشنطن وتل أبيب حول الانسحاب الإسرائيلي، حتى تستطيع الولايات المتحدة تنفيذ بداية الإعمار في القطاع المنكوب من ناحية إعادة بناء البنيّة التحتيّة والمرافق الطبيّة، وكذلك حتى يأخذ الجانب التركي بدوره مستقبلًا إن كان على صعيد القوة الدوليّة أو الدور السياسي المنشود في خضم الأزمة.
الولايات المتحدة تتطلع إلى الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، بينما إسرائيل ترفض ذلك؛ لأنها تريد أن تبدي موافقتها موافقة على وجود أي من سكان القطاع في المنطقة التي ستشهد الاعمار.
فهل ستشهد الطاولة الأمريكية مقايضات حول الاتفاق الأمني في سوريا مقابل تنازلات في غزّة؟
الرئيس ترامب يركز على غزّة باعتبارها اتفاق تاريخي بالنسبة له، وهو يصبّ تركيزه عليها، ويريد تطبيق الاتفاق عليها بالضمانات الممكنة.
الأولويات الأمريكيّة اليوم تتعارض مع الأولويات الاسرائيليّة، ويكمن السؤال هنا في حال فشل المفاوضات هل يوجد خطّة بديلة لدى الرئيس ترامب؟!.
وهل من عوامل ضغط تجري على الفلسطينيين أكثر من المرحلة السابقة؟ الاتجاه الأمريكي على ما يبدو يسير نحو الاعتماد مستقبلًا على السلطة الفلسطينيّة في حال أجرت الاصلاحات المطلوبة منها في الداخل؛ إذ أنّ الجانب الأمريكي يركّز حديثه عن الاصلاحات وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن.
كما أنّ التصور الأمريكي يكمن في استخدام المزيد من عوامل الضغط على إسرائيل، في وقت تكمن المشكلة في وجود تشعبات كثيرة في موضوع غزّة الذي يتطلب تنفيذ المزيد من الالتزامات من قبل طرفي الصراع، وهي عوامل تتطلب فريق عمل في الإدارة الأمريكية، يتسم بالمرونة والصّلابة في الوقت ذاته؛ والجدّية في التعامل مع هذه القضيّة.
التباطؤ في الدخول بالمرحلة الثانية من الاتفاق يكمن في الجانب الإسرائيلي أيضًا الذي يستثمر في الأزمات، ويتذرع بالافراج عن جثة آخر متحجز إسرائيلي لدى حماس، عدا عن قرب نهاية العام الحالي، وبدء العد التنازلي للانتخابات الإسرائيليّة.
الرئيس ترامب يريد للاتفاق أن يصمد من خلال الدخول في المرحلة الثانية، ليحافظ على الإنجاز الذي حققته الإدارة الأمريكية. في وقت يدرك الرئيس ترامب بأنّ نتنياهو لا يبحثُ عن حلٍ لغزّة بل مخرجٍ لإسرائيل، من خلال المناورة من جديد.
نتنياهو يعتزم الدفع بخطوة سياسيّة أمنيّة جديدة مع مصر، تقضي بفتح معبر رفح باتجاهٍ واحد للخروج من قطاع غزّة، بآليات رقابة مشددة. إسرائيل تحاول تسويق التهجير بلغة إنسانيّة، في وقت تتجاهل إسرائيل ما قالته مصر مرارًا وتكرارًا من رفضها أي خطوة تقدم عليها إسرائيل بشأن التهجير.
ملف غزّة يواجه مرحلة حرجة، فالولايات المتحدة تعمل عبر اجتماعات متواصلة مع مسؤولين معنيين في جهود الوساطة، لحسم الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزّة. بينما يعمل نتنياهو على استثمار أي حراك إقليمي كإنجازات سياسيّة تصبُ في صالحه؛ كصفقة الغاز مع مصر، مصر التي أكّدت أنّ هذهِ الصفقة تجاريّة بحته ولا تحتمل أي تأويل آخر.
فماذا يريد نتنياهو من القاهرة؟ وماذا يعنيه ما قاله بأنّها قادرة على تقييد حركة حماس؟
وأيهما أكثر خطورة بالنسبة لإسرائيل؛ سلاح حماس أم سلاح الديمغرافيا الذي تتطلع إلى اللعب به؟
ولماذا حاول نتنياهو توظيف صفقة الغاز مع مصر باعتبارها أهم منجزاته؟ وما هو موقف نتنياهو بعدما أنكشف أمره للرأي العام الدولي الذي يدرك صلابة الموقف المصري تجاه قطاع غزّة؟
وهل سيواصل نتنياهو مواصلة ابتزاز مصر من خلال مخططات جديدة لتهدئة الشارع الإسرائيلي؟.