جفرا نيوز -
د.حنين عبيدات
تابعنا في الفترة الماضية بطولة كأس العرب 2025 في دولة قطر، وقد شارك المنتخب الأردني في البطولة بكل بسالة ومثابرة حتى وصل إلى النهائي وشقيقه المغربي.
طوال فترة البطولة كانت الهوية الأردنية حاضرة ، فقد شكلت الجماهير الأردنية لحمة وطنية واحدة، لم يكن الأردني عابرا ،فقد التقى الأردني الذي يعيش في الغربة وفي الداخل الأردني على مدرجات البطولة حاملين معهم العلم الأردني والشماغ المهدب، لم يغب العلم دقيقة ولم يسدل الشماغ عن الكتف لحظة ، وكل الجماهير تهتف (الأردن) ، وليس فقط في المدرجات بل في كل مكان في الأردن وفي كل منصات الإعلام، فهذه اللحمة الوطنية ليست مصادفة بل لها أسبابها :
أولا : الأردنيون يعشقون أرضهم وهويتهم بالفطرة وبأسلوب التربية المكتسب الذي يعزز الإنتماء والولاء.
ثانيا : الجماهير مثلت شكل الأردني داخل وطنه بالتآخي والتكافل والتعاضد والوحدة تحت مظلة الوطن، وهذا نتاج متراكم نشأ الأردني على فلسفته .
ثالثا : الوحدة الوطنية كانت نبراسا لامعا أثبت أن الأردني وطن الأوفياء.
الهوية الوطنية الأردنية كانت راسخة وتم تسليط الضوء عليها بكل التفاصيل، وذلك من خلال عرض جزءا من التاريخ والتراث الأردني العتيق، فلم تغب الأهازيج والأشعار الأردنية من شمال الأردن لجنوبه، ولم يغب كرم الأردني وشهامته وطيبته ووده ، ولم تغب المحبة الحقيقية للعرب والعروبة ، فجزء من الهوية الأردنية تشكل تاريخيا من رحم القومية العربية الحقيقية التي جمعت ولم تفرق.
وفي تعليق لأحد العرب على كيفية تعامل عناصر المنتخب مع بعضهم أو مع الآخرين، قال : بأن لاعبي المنتخب متجانسين فكريا و وديا ، هذا هو الأردني يلتحم من أجل الوطن، فقد كان اللاعبون يلعبون من أجل الشعار والوطن أولا، فسيكولوجيا الأردني تجاه وطنه لها شكلها الخاص .
كرة القدم الأردنية عززت من الإنتماء وبنت جيلا جديدا أعاد تجديد البيعة للهوية الأردنية بقوة وقناعة ، فكرة القدم ليست مجرد رياضة، بل ثقافة و سياسة ومجتمع.
ترعرعت الأجيال الأردنية الحالية على جيل كروي أردني أصيل حمل اسم الأردن إلى العالمية، ولم ينشأ هذا الجيل على لاعبين من الغرب ولم يعتنقهم قناعة ،بل هتف للاعب الأردني وأصبح أيقونة له وحدا فاصلا في تقييمه الرياضي.
الكرة الأردنية جمعت الأردنيين على الأردن مجددا وبنت جيلا عشق الأردن أكثر واعتقد بالهوية الأردنية بعمق أكبر ، فقد كنا أمام مشهد يترجم النسيج المجتمعي والتوجه السياسي وهذا ينذر بأن الأردن مستقرا وآمنا وبخير .
أما المرأة الأردنية (النشمية) كانت حاضرة بقوة في المدرجات وفي الطرقات وفي كل تفاصيل فترة البطولة تحمل الشماغ على كتفيها أو تلبسه حطة على رأسها وتهتف بالأردن ، كانت نجمة اللقاءات والأمكنة ولها الدور الهام في إبراز الرقي والمودة والإندفاعية الوطنية ، وبينت بأنها دائما في صف واحد مع الرجل الأردني من أجل الأردن في أي موقف وحدث. الأردنية صاحبة موقف و عنفوان وفي الوطن لا تهاب ولا ترتاب، تقف صامدة وتردد : أنا أمي أردنية.
ماحدث في بطولة كأس العرب سلط الضوء على الأردن التاريخ، والمجتمع ،وهذا ما تحدث به كل العرب، فنحن دولة عظيمة
كانت ومازالت منذ التاريخ محط أنظار سياسية ومجتمعية وتاريخية ، وفي كل مرة تحقق الدبلوماسية العربية والعالمية للمصلحة العامة.
كل أردني يرى في الأردن ابن وأم وأرض وعرض وكرامه فلذلك سيبقى الأردن شامخا قويا عزيزا ، فالأردني يرى الأردن هكذا :
أعتنقه معتقدا ، أهواه عشيقا ، أميل له حبا ، أرتديه قناعة ، و كأنه شريان قلب تكتمل به الحياة ، و نظر العيون الذي نبصر من خلاله على الحياة ، هو قلادة من أنجم تضيء لنا الطريق ، هو الكيان و الذات و الهوية ، فالفرد لا يكون له قيمة إلا إذا كان له هوية ذاتية لها أصولها و جذورها، تنبت لتبني و تعمر و تصنع و تؤسس فردا و مجتمعا قادرا على بناء هذا الوطن .
الأردن العظيم هو الذي التقى به الجميع محبة ، و استقبل الأحباب واجبا ، و فتح البيوت ضيافة ، و حمل الهموم و شاركها حمية ، هو الذي قدم دون تأخير ، و حضن الأمة سياسيا و ثقافيا واجتماعيا دون تذمر و تفكير ، هو الذي شارك في البناء العربي ، و
هو الذي ضم القضايا العربية إلى صدره و احتضنها ، فهو الطبيب و الدواء ، و الأب الحاني على الأشقاء ، فوجب علينا أن نفهم بأن حبه فريضة ، و حمايته ضرورة ، و احتوائه مسؤولية واجبة ، فالوطن ليس كلمة تقال : بل هو كتب موجودة في العقل و القلب و الروح و الذات ، فكيف لنا أن نؤمن بالشيء و نهدمه ، أو نكون سياجا له و نخنقه ، بل يجب أن نكون طوق النجاة له و عمود الأمان.