جفرا نيوز -
حمادة فراعنة
أصدرت الحكومة السورية يوم 10 كانون أول ديسمبر 2025 ترخيصاً رسمياً من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية غير مسبوق في مضمونه ومحتواه، لا في سوريا، ولا في أي من البلاد العربية، تمنح بموجبه: «مؤسسة التراث اليهودي في سوريا»، ترخيصا يهدف الى حماية التراث اليهودي، واستعادة الممتلكات اليهودية المصادرة، من قبل الحكومات السورية المتعاقبة، خلال عشرات السنين منذ عام 1948، وترميم المواقع التاريخية من المعابد والكنس اليهودية السورية.
هذا الترخيص يتم لأول مرة، للطائفة اليهودية السورية، ولطائفة يهودية في العالم العربي، وهي تعبير عن تحول هام في كيفية التعامل مع اليهود، فالثقافة السياسية العربية السائدة كانت على الأغلب تستجيب للمنطق الصهيوني، وهي: 1- أن كل يهودي هو صهيوني، 2- وأن رفض مشروع الصهيونية واستعمارها لفلسطين، هو رفض لليهود باعتبارهم القاعدة والأداء في دعم وإسناد وإقامة مستعمرتهم الصهيونية على أرض فلسطين العربية.
لقد برزت أصوات يهودية داخل فلسطين من طائفة «ناطوري كارتا» يؤكدون أنهم ضد الصهيونية، وضد مشروعها الاستعماري على أرض فلسطين، وأنهم جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني، ولكن لم يكن أحد يهتم بهم باستثناء الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
في 13 الى 15حزيران يونيو 2025، عقد المؤتمر اليهودي الدولي المناهض للصهيونية في العاصمة النمساوية فيينا، ضم يهوداً نشطاء من جميع أنحاء العالم، عبروا عن موقفين:
أولهما يرفضون الفكرة الصهيونية وأن المستعمرة لا تمثلهم، وأن انتقاد السياسات الإسرائيلية لا تعني «العداء للسامية» أو العداء لليهود، وأن انتقاد سياسات وجرائم المستعمرة الإسرائيلية، تُعبر عن موقف أخلاقي وسياسي سواء من قبل اليهود أو من قبل الآخرين.
وثانيهما أنهم يدعمون حقوق الشعب الفلسطيني الشرعية المشروعة بما فيها إقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة.
ناطوري كارتا كطائفة يهودية، موقفهم هذا ثابت ومبدئي، حتى في ظل قوة المستعمرة وهيمنتها وتسلطها، ولكن مظاهر الرفض اليهودي الذي بدأ يعلو وينتشر، فهو يعود لسببين:
أولهما الجرائم البشعة التي تقترفها المستعمرة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
وثانيهما معاناة الشعب الفلسطيني وما تعرض له علناً من قتل للمدنيين وتدمير لممتلكاتهم، بشكل استفز العالم وخاصة الشعوب الأوروبية التي عملت حكوماتها على دعم المشروع الصهيوني وإقامته على أرض فلسطين.
مبادرة أو قرار أو توجه الحكومة السورية بالترخيص لمؤسسة يهودية، بهدف استعادة حقوق وممتلكات اليهود السوريين، يجب مقابل ذلك، إبراز قرار وعمل مماثل من أجل التدقيق وحصر ممتلكات الشعب الفلسطيني من اللاجئين، تمهيدا لاستعادة حقوقهم وممتلكاتهم التي فقدوها، وتمت مصادرتها في اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع من مناطق الاحتلال الأولى عام 1948.
التوجه السوري، الذي لم يحظ بالترحيب الشعبي، لأن دوافعه سياسية، وإن كان يحمل من الوضوح والشجاعة غير المسبوقة من قبل نظام عربي، وهذا يعود للقرار السوري، ولكن يجب العمل، ومطالبة المعاملة بالمثل من قبل المستعمرة الإسرائيلية، مع حقوق الفلسطينيين في ممتلكاتهم وبيوتهم ومزارعهم التي سبق وطردوا منها وتشردوا عنها عام النكبة 1948.
القرار السوري، وموقف طائفة ناطوري كارتا، وبيان ونتائج مؤتمر النمسا اليهودي، يجب توثيقه وتمريره لتعزيز الاستقلال اليهودي عن الصهيونية كفكرة استعمارية توسعية، وأن يكون الموقف نحو الصهيونية، مثيل لموقف المنظمات السياسية الإسلامية المتطرفة، أنها لا تمثل الإسلام والمسلمين، ولا تعكس تطلعاتهم، وهكذا الصهيونية يجب التعامل معها، وعزلها لأنها لا تمثل اليهود واليهودية، بل هي حركة استعمارية يجب نبذها، وكل من ينتمي لها، ويؤمن بفكرتها، ويؤيد مستعمرتها على أرض فلسطين.