جفرا نيوز -
كتب - محمد علي الزعبي
يقترب المشهد الحكومي من لحظة مراجعة عميقة، تُعاد فيها طرح أسئلة قديمة بصيغة جديدة، تتعلق بهيكلة الدولة وترشيد جهازها التنفيذي، ويتقدّم سؤال مركزي إلى الواجهة،، هل يقدم دولة الدكتور جعفر حسان على دمج بعض الهيئات أو إعادة النظر في وجود وزارات خلال العام القادم؟ السؤال لا يُطرح من فراغ، ولا يولد من مزاج سياسي عابر، بل يستند إلى مسار تراكمي شهدته الدولة خلال السنوات الماضية.
ففكرة الدمج وإعادة الهيكلة ليست وليدة هذه الحكومة، إذ سبق أن أُنجزت دراسات متعددة، ووضعت تصورات فنية وإدارية، ناقشت الترهل وتكرار الأدوار وتداخل الصلاحيات بين الوزارات والهيئات المستقلة، لكنها بقيت حبيسة الأدراج بفعل حسابات سياسية، أو خشية من كلفة القرار، الجديد اليوم ليس الفكرة بحد ذاتها، بل الجدية في إعادة فتح هذا الملف في توقيت لا يحتمل المزيد من التأجيل.
غير أن أي نقاش واقعي لهذا المسار لا يمكن أن يتجاهل وجود مقاومة صامتة داخل أروقة بعض الوزارات والهيئات، مقاومة لا تُعلن رفضها، لكنها تعمل بمنطق الإبطاء وتدوير الزوايا، خوفًا على النفوذ والمواقع، أو قلقًا من فقدان امتيازات صنعتها سنوات من التضخم الإداري، هذه المقاومة لا تجادل في المبدأ، بل تُغرقه في التفاصيل، وتحوّل القرار من خيار إصلاحي إلى ملف مُرهق، ظنًا منها أن الزمن كفيل بإفراغه من مضمونه. إلا أن الدولة، إن أرادت إصلاحًا حقيقيًا، لا يمكنها أن تبقى رهينة حسابات بيروقراطية تُقدّم المصلحة الخاصة على كفاءة الجهاز العام، ولا أن تسمح بإدارة المؤسسات بعقلية الدفاع عن الكراسي بدل الدفاع عن الأداء.
دولة جعفر حسان يتعامل مع هذا الواقع بعقلية تنفيذية هادئة، لا تُفرط في الوعود ولا تنزلق إلى الشعبوية، مع البقاء على حقوق الموظفيين، والمقاربة التي يعتمدها تقوم على إعادة التشخيص قبل القفز إلى القرار، وعلى قراءة دقيقة لكلفة الإبقاء على هياكل لم تعد تؤدي دورها بالكفاءة المطلوبة، في ظل مسارات التحديث الإداري والاقتصادي التي تفرض نفسها كضرورة لا خيار.
العام القادم يبدو مفصليًا في هذا السياق؛ فالدولة مطالبة بخطوات عملية تخفف الأعباء المالية، وتحد من الازدواجية، وتعيد ضبط العلاقة بين الوزارة والهيئة، وبين المركز والأطراف، الدمج هنا لا يُطرح كشعار إصلاحي، بل كأداة تنظيمية لتحسين الأداء، وتعظيم الاستفادة من الموارد، وتوجيه الجهد العام نحو أولويات تنموية واضحة.
ويبقى السؤال مطروحًا: هل يفعلها جعفر حسان؟ المعطيات تشير إلى أن الملف على الطاولة بجدية هذه المرة، وأن هناك إدراكًا متزايدًا بأن كلفة الإصلاح المؤجل أعلى من كلفة القرار الصعب، فإذا قُدّر لهذا التحول أن يحدث، فلن يكون مغامرة، بل نتيجة مسار طويل من الدراسات المؤجلة، والقراءات المتراكمة، وحاجة الدولة إلى جهاز أكثر رشاقة وانضباطًا، قادر على مواكبة المستقبل دون أثقال الماضي.