النسخة الكاملة

نظارات الذكاء الاصطناعي… بين حماية الخصوصية وخطر الانفلات التشريعي في الأردن

الثلاثاء-2025-12-09 11:02 pm
جفرا نيوز -
بقلم المحامي ليث ماجد الحباشنة

لم يعد المستقبل بعيداً، فالنظارات الذكية المدعومة بالذكاء الاصطناعي تُباع بالفعل في الأسواق العالمية والإقليمية، وهي لا تختلف في شكلها الخارجي عن النظارات الطبية أو الشمسية التقليدية إلى درجة يصعب على غير المطلعين، أو حتى من مسافات غير قريبة نسبياً، تمييزها عن النظارات العادية. هذه البساطة في المظهر تخفي وراءها قدرات تقنية متقدمة، مثل التصوير الفوري، تسجيل الفيديو، وربما التعرف على الوجه وتحليل البيانات. ورغم أن هذه الأجهزة قد تبدو للوهلة الأولى مجرد أداة للرفاهية أو تسهيل الحياة اليومية، فإن انتشارها في مجتمع محافظ مثل الأردن يثير مخاوف جدية تتعلق بالخصوصية والسمعة وسرية المعلومات، خاصة في ظل محدودية الوعي التكنولوجي وضعف الأطر التشريعية المتخصصة.

من الناحية القانونية، يؤكد الدستور الأردني في المادة (7) أن الحرية الشخصية مصونة، كما نصت المادة (18) من الدستور على أن المراسلات والاتصالات سرية لا يجوز مراقبتها أو إفشاؤها إلا بأمر قضائي. هذه النصوص الدستورية تضع أساساً صلباً لحماية الحياة الخاصة، وهو ما يعزز من خطورة إدخال تقنيات قادرة على جمع وتحليل بيانات الأفراد دون إذنهم. كما أن قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015 وتعديلاته يجرّم الاعتداء على الحياة الخاصة من خلال التصوير أو التسجيل أو النشر غير المشروع، فيما يجرّم قانون العقوبات الأردني في مواده المتعلقة بالذم والقدح والتحقير أي إساءة أو تشهير بالآخرين باستخدام وسائل النشر أو العلانية. ومع ذلك، فإن هذه النصوص، وإن كانت توفر مظلة عامة، لم تُصمم لمواجهة تحديات أجهزة قادرة على التعرف على الأشخاص وتحليل بياناتهم لحظة بلحظة، وهو ما يجعل مشروع قانون حماية البيانات الشخصية – الذي لا يزال قيد النقاش – ضرورة لا تحتمل التأجيل.

اجتماعياً، يطرح انتشار هذه النظارات إشكاليات عميقة. ففي مجتمع يولي أهمية قصوى للسمعة والشرف، فإن مجرد احتمال تصوير شخص أو التعرف عليه دون إذنه يُعتبر تعدياً خطيراً على القيم الاجتماعية والدينية. أي إساءة أو محتوى مسيء يُلتقط بهذه الأجهزة يمكن أن ينتشر بسرعة عبر وسائل التواصل، ليترك أثراً اجتماعياً مضاعفاً يتجاوز قدرة القانون على المعالجة الفورية. ويضاعف من خطورة الأمر ضعف الوعي التكنولوجي لدى كثير من الأفراد، الذين قد لا يدركون آلية عمل هذه الأجهزة أو كيفية حماية أنفسهم قانونياً، مما يجعلهم عرضة للاستغلال أو الابتزاز.

غياب التشريع المتخصص يفتح الباب أمام فراغ قانوني قد يُستغل في التجارة أو المراقبة أو حتى الابتزاز. فالأدلة الرقمية التي تلتقطها هذه الأجهزة قد تُستخدم في المحاكم، لكن قانونيتها ستظل محل جدل إذا لم تُضبط بآليات واضحة. كما أن اعتماد هذه النظارات على تخزين البيانات في خوادم خارجية يهدد سيادة الدولة على معلومات مواطنيها، ويعرضها للتسرب أو الاستغلال التجاري والسياسي. ومن هنا، فإن التبعات القانونية والاجتماعية لانتشار هذه الأجهزة دون ضوابط ستكون خطيرة، إذ من المتوقع أن ترتفع دعاوى الذم والقدح والتحقير، النصب والاحتيال، إضافة إلى قضايا الجرائم الإلكترونية المتعلقة بالتصوير غير المشروع، فضلاً عن تآكل الثقة الاجتماعية وتهديد الأمن الوطني.

إننا أمام لحظة فارقة. فانتشار نظارات الذكاء الاصطناعي في الأسواق الأردنية دون رقابة أو إطار تشريعي واضح يشكل خطراً داهماً على الخصوصية والسمعة وسرية المعلومات. إما أن يبادر المشرّع الأردني إلى وضع ضوابط صارمة قبل فوات الأوان، أو أن نجد أنفسنا أمام واقع اجتماعي وقانوني يصعب احتواؤه. الحذر واجب، والتشريع ضرورة، والوعي المجتمعي خط الدفاع الأول.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير