النسخة الكاملة

الملك… شجاعةٌ تولد من الحكمة ومحبةٌ متجذّرة في شعبه

الثلاثاء-2025-12-09 08:29 am
جفرا نيوز -

بقلم: ضياء الكوّاز
رئيس تحرير وكالة شبكة أخبار العراق

في زمنٍ تتراجع فيه القيم القيادية، وتضيع الحكمة بين ضجيج المصالح وتضارب الحسابات، يبرز الملك عبدالله الثاني نموذجاً فريداً لقيادةٍ تجمع بين الشجاعة والتواضع، وبين الحزم والرحمة، وبين قوة القرار ومحبة الناس. وما يدفعني اليوم للكتابة ليس المديح، بل الوفاء لذكرى رافقتني منذ شبابي وعن قرب، حين رأيت بأمّ عيني ملامح هذه الشجاعة منذ كانت في طور التشكّل.

ذكريات من نار الحرب… حين كان الأمير عبدالله بيننا

أعود بالذاكرة إلى عام 1986، حين كنت مراسلاً حربياً في جبهات القتال خلال الحرب العراقية–الإيرانية. كانت أياماً صعبة، لا يسمع فيها سوى وقع المدافع وأنين الجنود والتفاف الموت حول كل شبر من الأرض. وحينها حضر المغفور له الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، إلى القاطع الجنوبي، ورافقه الأمير عبدالله –الذي كان حينها برتبة نقيب وقائداً للكتيبة الملكية– ليعيش بين المقاتلين ثلاثة أشهر كاملة.

كنا نخشى على الأمير الشاب من شدة المعارك وضراوتها، لكنه كان يتحرك بين الجنود بشجاعة نادرة، لا يعرف التردد ولا يدخل قلبه الخوف. رأيناه يشارك الجنود تفاصيل حياتهم، ويقف على السواتر، ويستمع إلى أصوات القذائف كما لو كان واحداً منّا. تلك الأيام لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل كانت اختباراً حقيقياً لرجل سيصبح لاحقاً رمزاً من رموز الاعتدال والشجاعة في المنطقة.

قيادة تستند إلى الحكمة لا إلى القوة

من يتأمل مسيرة الملك عبدالله يجد أن شجاعته لم تُختبر فقط في ساحات القتال، بل في أعقد الملفات السياسية والاقتصادية التي واجهها الأردن. فقد واجه ضغوطاً إقليمية ودولية، وأزمات اقتصادية، وتهديدات أمنية، لكنه ظل ثابتاً على نهج يقوم على حماية الأردن أولاً، والدفاع عن كرامة شعبه، والعمل بصمت وبُعد نظر.

والطريف أنّ كثيرين يتحدّثون اليوم عن حكمة الملك عبدالله وكأنها مفاجأة؛ بينما نحن الذين عرفناه شاباً ندرك أن جذور تلك الحكمة كانت واضحة منذ البداية.

أغار لأن في العراق لم نحظَ بقائدٍ بهذه الصفات

ولأنني ابن العراق، لا أنكر أن الحسرة أحياناً تعتصر القلب. فبينما يملك الأردن قائداً يجمع بين الحنكة العسكرية والرؤية السياسية، بقي العراق –على امتداد عقود– يدفع ثمن غياب القيادة الموحدة والحكيمة. وأقولها بصراحة: أغار على الأردن لأنه يمتلك ملكاً مثل عبدالله الثاني؛ قائداً يعرف كيف يحافظ على بلده، وكيف يصنع الإجماع حوله، وكيف يضع مصلحة شعبه فوق كل اعتبار.

ذكريات أصبحت اليوم قصصاً نتفاخر بها

بعد مرور كل تلك السنوات، تحوّلت تلك المشاهد من القاطع الجنوبي إلى جزء من الذاكرة… قصصاً نحكيها لأبنائنا وأحفادنا. قصصٌ عن الأمير الشاب الذي عاش بين الجنود، وعن قائدٍ وُلد من مدرسة الحسين، وعن ملك حمل أمانة وطنه بجرأة الرجال وبحنان الأب.

حفظ الله الأردن وقيادته وشعبه

يبقى الأردن اليوم مثالاً للاستقرار في منطقةٍ تعصف بها المتغيرات. ولعل سرّ هذا الاستقرار هو العلاقة الفريدة بين الملك وشعبه؛ علاقة تقوم على الثقة المتبادلة والمحبة الحقيقية، لا على الشعارات أو الاستعراض.

حفظ الله الأردن وملكه، وحفظ شعبه الأبي.
ولتبقَ ذكرياتنا شاهداً على زمنٍ كان فيه الشرف عنوان الرجال، وكانت البطولة لغة الحياة.

ضياء الكواز
رئيس تحرير وكالة شبكة أخبار العراق
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير