جفرا نيوز -
ماجد السيبية
تشهد المملكة نقاشًا واسعًا حول مشروع مدينة عمرة الجديدة، ليس فقط لأنها واحدة من أضخم المشاريع الحضرية المقترحة خلال العقدين الأخيرين، بل لأنها تمثّل محاولة جادّة لإعادة التفكير في شكل النمو السكاني والعمراني في الأردن. وللمرة الأولى، يظهر مشروع سكني–حضري بهذا الحجم مخططًا بالكامل قبل أن يُسكن، في تحول واضح عن النمو التقليدي للمدن الذي اعتادته البلاد.
تقع المدينة على مسافة تقارب 40 كيلومترًا من وسط عمّان، وبُعد قريب من الزرقاء ومطار الملكة علياء، ما يمنحها قدرة استراتيجية على الارتباط بالمراكز الحيوية في المملكة. وتمتد الرؤية الشمولية للمشروع لتشمل نصف مليون دونم، تبدأ مرحلتها الأولى على مساحة تقارب 40 ألف دونم، في خطة تمتد لسنوات طويلة تتدرج فيها البنية التحتية والخدمات والمرافق.
الفكرة الأساسية من إنشاء المدينة لا تتعلق بمجرد تخفيف الضغط العمراني عن عمّان والزرقاء، بل بتقديم نموذج جديد لمدينة مخططة على أسس حديثة قبل وصول السكان إليها، بما يشمل الطرق، الخدمات، المراكز التجارية، والفضاءات الخضراء. وهو توجه يتماشى مع ما تشهده دول عديدة في المنطقة والعالم من إعادة تصميم لنمط المدن بما يحقق كفاءة أعلى في إدارة الموارد وتحسين جودة الحياة.
ومع أن المدينة ليست "عاصمة بديلة” ولا مخصصة للاستخدام الإداري الحكومي، إلا أن مكوناتها تحمل بعدًا تنمويًا واقتصاديًا واضحًا، أبرزها إنشاء مدينة رياضية متكاملة تضم مرافق متعددة الاستخدام، وفي مقدمتها استاد كرة قدم حديث بمواصفات دولية، قد يشكّل نقطة جذب للبطولات والفعاليات الرياضية. وجود مثل هذه المرافق داخل مدينة تُخطط من البداية يمنح المشروع بُعدًا اجتماعيًا وحضاريًا يتجاوز الوظيفة السكنية التقليدية.
كما تشمل الرؤية مناطق تجارية، وأحياء سكنية متنوعة، وخدمات تعليمية وصحية، إضافة إلى مساحات مخصصة للترفيه، والأنشطة الثقافية، والمناطق الاستثمارية. وتُبرز التصريحات الرسمية أن المشروع يستند إلى مفهوم "المدينة الخضراء”، عبر اعتماد الطاقة النظيفة، وتنظيم حركة النقل، وتوفير مسارات للمشاة والدراجات، وتأكيد الإدارة المتكاملة للبيئة الحضرية.
المشروع، رغم طموحه الكبير، يطرح تساؤلات طبيعية حول قدرته على التنفيذ الكامل خلال مدى زمني طويل، خصوصًا أن مدنًا بهذا الحجم تحتاج لاستثمارات مستدامة وإدارة دقيقة في مراحلها المختلفة. لكن المؤكد أن الفكرة بحد ذاتها تعبّر عن محاولة لتغيير نمط التفكير في التخطيط الحضري، والانتقال نحو مدن تُبنى على الورق قبل أن تُبنى على الأرض.
وبين التفاؤل المشروع والحذر الطبيعي، تبقى مدينة عمرة الجديدة تجربة تستحق المتابعة، لأنها تمثّل نموذجًا غير مسبوق في الأردن، ولأنها قد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التفكير التخطيطي، تتوازن فيها احتياجات السكان مع متطلبات التنمية، وتعيد رسم علاقة المواطن بمدينته ومساحته الحضرية.