النسخة الكاملة

المحامي الحباشنة يكتب.. زمن الشباب والنهضة الواقعية

الثلاثاء-2025-11-25 09:45 pm
جفرا نيوز -

الشبابُ روحُ الأمةِ وسِرُّ بقائها
إنْ همُ ذلّوا ذلّتْ الأمةُ وانقضى أملُها

فانهضْ بهمْ، فهمُ العزمُ إذا اشتدّتْ
وهمُ السيفُ إذا ما استُنهضَ العملُ

لقد أصبحنا أمام لحظة فارقة في تاريخنا، لحظة يتداخل فيها الإحباط مع الفرص، ويغدو فيها اليأس رفيقاً يومياً لكثير من الناس، بينما يُنظر إلى الأمل والشغف بالحياة وكأنهما خروج عن الواقع، مع أننا نمارسهما في تفاصيل حياتنا الأصغر، في أحلامنا الشخصية وفي سعينا وراء أبسط الإنجازات. هذا التناقض يعكس خللاً عميقاً في طريقة التفكير السائدة داخل المؤسسات الرسمية، التي ما زالت تتعامل مع الأفكار الجديدة باعتبارها ترفاً لا وقت له، رغم أنها في كثير من الأحيان تحمل حلولاً عملية لمشاكل تراكمت عبر عقود دون أن تجد طريقها إلى الحل.

الشباب اليوم لا يفتقرون إلى القدرة ولا إلى الرؤية، بل يواجهون عقبات تُفرض عليهم من عقلية حكومية تكتفي بتسيير الأعمال وفق الضرورة والأولوية، وتغلق الباب أمام أي محاولة للتجديد. المسؤولون يتدافعون أمام جلالة الملك وولي العهد لإظهار تبنيهم لأجندات شبابية، لكنهم على أرض الواقع يشكّلون العقبة الأكبر أمام وصول الشباب إلى فرص التطوير والمشاركة الفعلية؛ هذا التناقض بين الخطاب والممارسة يضاعف شعور الشباب بالإقصاء، ويجعلهم يرون أن صوتهم لا يُحترم إلا في الحالات التي تتطلب غطاء شبابي، بينما يُغلق أمامهم حين يطلبون أن يكونوا جزءاً من القرار.

لقد وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها من الضروري، بل من الملح، أن تُنصت الحكومات للشباب، وأن يُترك لهم المجال ليتصدروا المشهد، وأن يبدأ المسؤولون باحترام صوتهم ووجودهم وحيزهم الطبيعي في الحياة العامة. فالأمة لا تنهض بالحد الأدنى ولا بالسياسات العجوزة، بل بالجرأة على التغيير، وبالإيمان بأن الشباب ليسوا عبئاً يحتاج إلى إدارة، بل قوة تحتاج إلى إطلاق.

هذا الزمن هو زمن الشباب والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والأجدر بقيادة المرحلة هم الشباب أنفسهم، لقدرتهم على فهم التحديات وتفكيكها وإيجاد الحلول لها، وليس تلك الفئة المتمسكة بالمناصب التي تدير الدفة بعقلية رجعية تعيق تقدم بلد بأكمله وتخالف جميع التوجيهات والتوصيات الملكية السامية. إن الأحزاب والهيئات والمجالس التشريعية وغيرها يجب أن تُعزّز بفئة الشباب، ولابد لذلك حتى يعلو صوتهم ويؤمنوا بدورهم بدايةً، لأن النهضة لا تتحقق إلا حين يصبح الشباب شركاء حقيقيين في القرار وصناعة المستقبل.

وحتى نبتعد عن الانتقاد المجرد ونطبق قواعد الانتقاد البناء، فلابد لنا اليوم من تقديم الحلول. حيث ان الجدية في إشراك الشباب تبدأ بمعاملة فئتهم بشكل منفصل عن باقي فئات المجتمع، وفرض إدماجهم بنسب مدروسة ضمن استراتيجية خمسية واضحة. ففي جميع التجارب التي سعت فيها الدول لإدخال فئة مهمشة إلى حيز الوجود، كان مبدأ "الكوتا” حاضراً ليضمن وجود هذه الفئة من خلال تذليل العقبات التي أمامها. ويمكن الاستفادة من تجربة إدماج المرأة في المجتمع والبرامج التي أُعدت لتمكينها كدليل عملي يمكن القياس عليه. فإذا أصبح في المجالس التشريعية والحكومات والأحزاب وغيرها كوتا خاصة بالشباب، سيكون ذلك مؤشراً صريحاً على دورهم وعلى ضرورة احترام وجودهم وحيزهم في المجتمع.

ولابد أن نعي تماماً أن دور الشباب، وحتى لا يتم إسقاطه أو تشويهه، يجب أن ينأى بنفسه عن تلك الفئة المتسلقة الفارغة التي تسعى لاعتلاء المناصب دون فكر أو رؤية، وأن يتركز الاهتمام على أصحاب الفكر والخبرة من الشباب، القادرين على التمييز بين الولاء للأمة والولاء للذات. فالمستقبل لا يُبنى بالمنافع الشخصية ولا بالمظاهر، بل يُبنى بالعقول المخلصة والطاقات الصادقة التي تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.

وهنا نستذكر كلمات جلالة الملك عبدالله الثاني في إحدى أوراقه النقاشية: "إن الشباب هم عماد المستقبل، وهم القوة الدافعة للتغيير الإيجابي، ولا بد من تمكينهم ليكونوا شركاء في بناء الوطن.” هذه الكلمات ليست مجرد شعار، بل دعوة عملية لإعادة النظر في السياسات، ولإدماج الشباب في كل مستويات القرار، لأن النهضة تبدأ حين نؤمن أن هذا الزمن زمن الشباب، وأن صوتهم ليس مجرد إضافة بل هو أساس لبناء مستقبل مختلف.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير