النسخة الكاملة

قراءة في مشهد النواب أثناء مناقشة القوانين الحسّاسة

الثلاثاء-2025-11-25 12:08 am
جفرا نيوز - بقلم المحامي نزار خالد الشعار

في اللحظات التي يشرع فيها مجلس النواب بمناقشة قوانين حسّاسة تمس حياة الناس اليومية، مثل مشروع قانون التأمين والقانون المعدّل لقانون النزاهة ومكافحة الفساد، تتكشف ملامح المسرح السياسي على نحو لا تخطئه العين.
فالمشهد النيابي لا يقوم فقط على الأصوات داخل القبة، بل على أدوار يؤديها النواب بوعي أو بغير وعي، وتكشف عن مواقع القوة والضعف، وعن طبيعة التحالفات والخصومات، وعن مصالح تتحرك تحت السطح.
ولعلّ أفضل توصيف لهذه الأدوار هو ما يلجأ إليه الشارع حين يختصرها في رموز بسيطة:
السيف – الضيف – الجار – المار.
هذه الرموز ليست مجرد استعارات لغوية، بل مفاتيح لفهم طريقة اشتغال النظام التشريعي، وكيف تتشكل مواقف النواب عندما تكون القوانين المطروحة متشابكة المصالح، عالية الحساسية، غنية بالتأثيرات الاقتصادية والسياسية.
النائب الذي بيده السيف: صاحب النفوذ والتأثير
السيف هنا ليس سلاحًا، بل قرارًا وقدرة على فرض اتجاه معيّن.
هو النائب الذي يقود النقاش، يحدّد إيقاع الجلسة، ويمتلك شبكة علاقات تجعله قادرًا على تمرير صياغة أو تعديل أو حتى إسقاط فقرة.
في مشروع قانون التأمين، يكون "صاحب السيف” غالبًا:
رئيس لجنة مالية أو قانونية
نائبًا يملك معرفة تقنية عميقة بالقطاع
أو نائبًا يتحرك بثقل مجموعة اقتصادية داعمة له
هذا النائب يدخل النقاش وهو يعرف ما يريد بالضبط، ويدافع عنه بصلابة، فتتجه الأنظار نحوه عند كل مادة خلافية.
أما في قانون النزاهة المعدّل، فإن "صاحب السيف” هو من يتخذ موقفًا حاسمًا من تشديد الرقابة أو تخفيفها، ويحشد الأصوات وفق قناعته أو مصالحه بحيث يصبح كلامه إشارة لاتجاه التصويت.
النائب الضيف: من يحضر النقاش ولا يملك البقاء
"الضيف” ليس غريبًا بالكامل، لكنه ليس لاعبًا رئيسيًا في الملف.
هو النائب الذي يشارك في الجلسات الخاصة بالقوانين المعقّدة لأن عليه واجب الحضور، لكنه لا يمتلك تأثيرًا مباشرًا، وربما لا يملك معرفة كافية بتفاصيل التشريع.
الضيف يحضر، يستمع، يتحدث قليلًا، لكنّه ليس صانع القرار.
ودوره يظهر خصوصًا عند استدعاء:
خبراء
ممثلي شركات
أو مؤسسات رسمية ذات علاقة
فيبدو النائب وكأنه "ضيف” على لغة قانونية شائكة لم يستعد لها بالكامل.
النائب الجار: عضو التحالف الصامت
"الجار” هو الأقرب إلى صاحب السيف، ليس لأنه الأقوى، بل لأنه الأكثر التصاقًا بالتحالف الذي يقوده.
قد لا يكون الجار مبادرًا ولا خطيبًا مؤثرًا، لكنه يصوّت بالطريقة التي يتفق معها معسكره، ويمثّل كتلة متماسكة تعطي السيف وزنه الحقيقي.
وجود "الجار” هو ما يجعل صاحب السيف قادراً على تمرير المواد الجدلية.
فالجار هو "نصف السيف”، وهو حزام الدعم الذي يُبنى عليه القرار النهائي.
النائب المار: العابر الذي لا يترك أثرًا
هو النائب الذي يحضر الجلسة، وربما يعلّق تعليقًا واحدًا، لكنه لا يترك بصمة.
يأتي ويمرّ دون أن يكون جزءًا من الصراع حول مواد القانون.
في النقاشات الكبرى، يكون "المارّ” هو:
النائب الذي لا يمتلك اهتمامًا فعليًا بالقانون
أو الذي يريد الابتعاد عن الصدام
أو الذي يكتفي بالتصويت الأخير دون خوض النقاشات العميقة
هو حضور رقمي، لا ميداني.
كيف ينعكس هذا المشهد على قانون التأمين وقانون النزاهة؟
في قانون التأمين، توزّعت هذه الأدوار بوضوح:
فـ"السيف” كان لمن يمسك بخيوط السوق ويعرف انعكاسات كل مادة على شركات التأمين والمواطنين.
و"الجار” كان كتلة داعمة تتبع قراره.
و"الضيف” دخل الجلسة بروح المتلقي لا المقرّر.
أما "المارّ” فمرّ على النقاش مرور المتفرجين.
وفي قانون النزاهة المعدّل، ظهر السيف بيد من أراد توسيع أو تضييق سلطات الهيئة، بينما وقف الجار خلفه، ووقف الضيف والمار خارج ثقل المعركة.
خلاصة
هذه الأدوار ليست انتقاصًا من أحد، بل توصيف دقيق لطريقة عمل المؤسسة التشريعية.
فالبرلمان — أيّ برلمان — لا يعمل بآلية واحدة، بل بشبكة من العلاقات والقدرات والمصالح التي تحدد من يقود ومن يتأثر ومن يتبع ومن يمرّ.
وعندما نسمع في الشارع سؤالًا بسيطًا:
"مين بيده السيف؟ ومين ضيف؟ ومين جار؟ ومين مار؟"
فهو في الحقيقة سؤال عميق يتجاوز البلاغة ليصل إلى صلب العملية التشريعية:
من يصنع القرار؟ ومن يتأثر به؟ ومن يصوّت له؟ ومن يكتفي بالمرور بجانبه؟
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير