
د.فريال حجازي العساف
تعددت المعايير الدوليّة لحقوق الانسان على مستوى الاتفاقيات والمواثيق والاعلانات وتوصيات اللجان التعاهدية وغير التعاهدية، سواء كانت العامّة او الخاصّة،التي تندد موضوع العنف ضد المرأة، وتطالب الحكومات والدول والمعنين، بمراجعة التشريعات والسياسات وجعلها اكثر اتساقاً مع نصوص المعايير الدولية، في هذا الأسبوع وتحديداً في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني، تبدأ اعمال حملة ال 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة ويصادف أيضاً في هذا اليوم الاحتفال بمناسبة الدوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة تستمر الحملة حتى العاشر من شهر ديسمبر، وهو أيضا ذكرى الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان. تسعى هذه الحملة الى استمرار الجهود الى اذكاء الوعي المعرفي والتقني بقضايا حقوق المرأة وضمان افضل السبل والأدوات التي تمكن مالنساء والفتيات من التصدي لأي شكل من أشكال العنف؛ يحمل شعار حملة ال 16 يوم لهذا العام :» اتحدوا لمناهضة العنف الرقمي ضد النساء والفتيات «، لما لهذا الموضوع من تداعيات اثرّت بشكل مباشر وغير مباشر على حقوق النساء والفتيات.
وقبل الخوض بمفهوم العنف الرّقمي ضد المرأة،دعونا نعرج بعجالة على تعريف العنف ضد المرأة والفتيات بشكل عام كما حددته المعايير الدولية وأغلب الدساتير والقوانيين الوطنية ؛ حيث عرّف بأنه: «أي فعل أو سلوك عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عليه أو يرجح أن يترتب عليه أذى، أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية، أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل، أو القسر، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة لتشمل في العنف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والرقمي.
التأصيل التاريخي لحملات العنف ضد المرأة ابتدأت منذ عام 1981 وهو اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة أي مضى على انطلاقها 11 عاما، أما حملة ال16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة والتي ابتدأت منذ عام 1991 مضى عليها 34.
السؤال الذي يتكرر طرحه في هذا السياق : بما ان حملات العنف ضد النساء والفتيات مضى على انطلاقها ما يزيد عن 44 عاما، هل كان لها تأثير ام مجرد شعارات ؟ و هل غيرت من الاتجاهات والصورة النمطية لدور المرأة ؟ واذا كانت الإجابة على ذلك السؤال بنعم ما هو شكل ذلك التغيير في ظل استمرار الاشكال المتعددة للعنف ضد المرأة في مختلف بقاع العالم.
إنّ الإجابة على ذلك التساؤل تتأطر بكلمة نعم كان لتلك الحملات اثراً إيجابيا في احداث التغيير في عدة مقايس أمتدت الى كافة المجالات الحياتية لواقع النساء والفتيات منها على سبيل المثال لا الحصر : ارتفاع الوعي القانوني والحقوقي لدى النساء والفتيات بنسبة جيدة وارتفاع الأهمية بظاهرة العنف ضد المرأة والمطالبة المتزايدة بموائمة التشريعات والسياسات وضبط الممارسات وتوفير الخدمات الرعائية والتقديم المساعدة القانونية والاجتماعية وخدمات التأهيل والدعم النفسي للنساء المعنفات والمعرضات للعنف والناجيات من العنف. فضلاً عن احداث التغير في كسر جدار الصورة النمطية عن دور المرأة في مجالات الحياة كافة،فوفقاً لاحدث الاحصائيات، هناك ارتفاع في مساهمة المرأة في إدارة الشأن العام والحياة السياسية بكافة مجالاتها على مستوى البرلمانات او التعيين في الحكومات والمشاركة الاقتصادية والتعليم العالي وسلك القضاء والمحاكم وغيرها العديد من المجالات.
لكنّ المرجو من الحملات التوعوية الى جانب اعمال الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق المرأة هو استمرار الجهود الرامية الى تحقيق مجتمعات مسالمة و اكثر عدالة ومساواة وعدم ترك أحد في الخلف، فضلا عن أهمية الاستدامة التنموية لتطبيق حقوق المرأة على ارض الواقع وأحداث التأثير المطلوب في المجتمعات كافة فالنساء اليوم معرضات أكثر من غيرهن الى مختلف اشكال العنف الرقمي.
يتخذ العنف الرقمي (أو السيبراني) وهو موضوع حملة ال 16 يوم لهذا العام أشكالاً متعددة، من أبرزها : التحرش عبر الإنترنت من خلال إرسال رسائل أو صور أو مقاطع فيديو مسيئة أو تهديدية بشكل متكرر ومستمر عبر منصات التواصل الاجتماعي أو التطبيقات التقنية، استخدام أسلوب الملاحقة والتتبع الإلكتروني المستمر والتعقب الدائم لأنشطة الضحية عبر الإنترنت، مما يسبب لها الخوف والقلق. اضافةً الى الابتزاز الالكتروني بمختلف اشكاله وأكثرها انتشاراً إجبار الضحية على تقديم صور أو مقاطع فيديو ذات طبيعة جنسية تحت التهديد بنشر معلومات شخصية، ناهيك عن جريمة النشر غير الرضائي للصور الخاصة للضحية سواء كان : نشر أو مشاركة صور أو مقاطع فيديو للضحية دون موافقتها، وغالباً ما يكون ذلك بهدف التشهير أو الانتقام، وأيضا استخدام أسلوب التزييف العميق القائم على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإنشاء صور أو مقاطع فيديو مزيفة تظهر فيها الضحية، بهدف تشويه سمعتها واستغلالها.
ويدخل أيضا في مفهوم العنف الرقمي جريمة التحريض على الكراهية والعنف نشر خطاب كراهية قائم على النوع الاجتماعي،، لا سيما النساء الناشطات في الحياة العامة أو السياسة أو الإعلام. وكذلك انتحال الشخصية وسرقة الهوية: إنشاء حسابات وهمية باستخدام معلومات الضحية الشخصية أو صورها، واستخدامها لتوجيه رسائل مسيئة للآخرين أو الإضرار بسمعة الضحية. و التشهير ونشر المعلومات المضللة النشر للمعلومات الشخصية للضحية، مثل عنوان منزلها، رقم هاتفها، مكان عملها، أو بيانات عائلتها، مما قد يؤدي إلى مخاطر في العالم الحقيقي. كذلك العنف الاقتصادي الرقمي: المتمثل بالسيطرة على الحسابات المصرفية الإلكترونية للضحية، أو منعها من الوصول إلى الموارد الرقمية التي تحتاجها للعمل أو التعليم. هذه الأشكال من العنف الرقمي لها آثار نفسية واجتماعية وقانونية وخيمة على النساء والفتيات وأسرهن ومجتمعاتهن، فالمطلوب اليوم التصدي لظاهرة النعف الرقمي ضد النساء والفتيات من خلال اتباع نهج شمولي قائم على عدة مستويات، بدءاً من المسؤولية الفردية وصولاً للمسؤولية الجماعية والتي أهمها سن قوانين اكثر صرامة لتجريم جميع اشكال العنف الرقمي وتوقير منصات رقمية آمنة تحفظ الخصوصية والمعلومات وتتصدى لجميع اشكال الهكر.