النسخة الكاملة

تخفيض موازنة هيئة تنشيط السياحة… ما المبرر؟

السبت-2025-11-22 11:13 pm
جفرا نيوز -

 

الدكتور نضال المجالي

في وقت تتصاعد فيه المنافسة العالمية على السائح، ويُعامل التسويق السياحي كأحد أهم الاستثمارات ذات العائد المباشر، تتجه الحكومة إلى تخفيض موازنة هيئة تنشيط السياحة خلال العام القادم ٢٠٢٦ بعد ان خفضت للعام ٢٠٢٥ مقارنة ايضا بما أقرته عام ٢٠٢٤. واخشى ان تستمر الحكاية. وهذا القرار لا يمكن النظر إليه كإجراء مالي بسيط، بل خطوة تحمل آثارا خطيرة على قطاع يشكّل أحد أكثر محرّكات الاقتصاد الأردني ديناميكية وتأثيرا.

فهيئة تنشيط السياحة ليست مؤسسة إنتاجية تقدّم خدمة مباشرة، ولا جهة تُقاس نتائجها بالأرباح السنوية، بل هي ذراع وطني يمثل سياسة استثمارية هدفها خلق الطلب السياحي على الأردن وتحريك قطاعات كاملة ترتبط بالسياحة من نقل وفنادق ومطاعم وحرف وتقنيات، وصولا إلى الخزينة التي تعتمد على الضرائب غير المباشرة الناتجة عن حركة الزوار.

المنطق القائل بأن تقليص المخصصات يحسّن الكفاءة يتجاهل حقيقة أساسية: ان الترويج السياحي استثمار وليس إنفاقا تشغيليا. فالتجارب العالمية تؤكد أن كل دينار يُضخ في تسويق الوجهات يحقق عائدا يتراوح بين أربعة إلى سبعة أضعاف، من خلال زيادة ليالي المبيت ورفع نسب الإشغال وتوسيع إنفاق السائح. وهذا يعني أن خفض الإنفاق الترويجي اليوم سيؤدي حتما إلى تراجع العوائد غدا.

وتخفيض الموازنة يعني عمليا: تقليص الحضور الأردني في الأسواق الدولية، وإضعاف القدرة على المنافسة في سوق عالمي يرفع ميزانياته التسويقية عاما بعد آخر والحد من المشاركة في المعارض والشراكات العالمية، وتراجع الزخم الإعلامي للوجهة الأردنية فتكون النتيجة انكماش الطلب القادم من الأسواق الجديدة التي تحتاج سنوات لترسيخها.

وان كان التحول الرقمي استراتيجية، فرغما من أهميته نموذجا للتسويق الذكي، إلا أنه ليس بديلا كاملا عن الحد الأدنى من الاستثمار التسويقي. فالتسويق الرقمي يحتاج محتوى وخططا وحملات وشراكات وعلاقات عامة وموازنات تشغيلية—وإلا تحوّل إلى شعار بلا أثر حقيقي.

أما ان كان المبرر الحديث عن “الإيرادات الذاتية” أو “إدارة الأصول”، فهو توجه إداري محمود، لكنه يصلح في الشركات الحكومية لا في الهيئة التي لم تُنشأ كمشروع تجاري هدفه الربح، بل كمؤسسة وطنية تُحرّك قطاعات اقتصادية واسعة. وإيراداتها الذاتية بطبيعتها لا تستطيع تغطية تكلفة الترويج المطلوب لدولة تنافس في المنطقة العربية وجهات تضخ مئات الملايين سنويا في التسويق السياحي.

من هنا، فإن تخفيض الموازنة ليس اختبارا لكفاءة الهيئة، بل اختبارا لمدى إدراك الحكومة لأهمية قطاع يرفد الاقتصاد بعوائد مباشرة وغير مباشرة، ويوفّر آلاف فرص العمل، ويعزّز التنمية في المحافظات، ويشكّل ركنا رئيسيا في رؤية التحديث الاقتصادي. فلا يمكن أن تنجح الرؤية بينما تُضعف الأداة المسؤولة عن تحقيقها.

ولنؤمن ان السياحة ليست ترفا، بل مسارا لحماية الدخل الوطني، وتعزيزا لفرص العمل، وترسيخا لصورة الأردن كوجهة آمنة وجاذبة. والقرار الصائب ليس في تقليص الموازنة، بل في تعزيزه، لضمان بقاء الأردن منافسا في أسواق تتصارع فيها الدول بكل أدواتها.

وإذا كان تخفيض موازنة عام 2026 يوفر مبالغ مالية محدودة مقارنة بعام 2025، فإن كلفته على الاقتصاد قد تكون أكبر بكثير نتيجة تراجع الإيرادات السياحية. وهذه مخاطرة لا يحتملها اقتصاد يسعى للنمو والاستقرار، ولا قطاع يعتمد في نجاحه واستدامته على الحضور القوي والمستمر في الأسواق العالمية حتى وان كانت ملامح الحياة السياحية تعود لطبيعتها بعد انتهاء الحرب على غزة.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير