جفرا نيوز -
بشار جرار
التبني الذي أعنيه خاص بالمشاريع، لا البشر ولا الحيوانات الأليفة. تلك الموضة، التقليعة أو الصرعة التي شاعت بفعل العولمة وصارت في بعض المجتمعات مظهرا ومؤشرا على الحس المرهف! ما يتبنّاه بعض المترفين في الدول الغنية من حيوانات أليفة صار صناعة وتجارة بمليارات الدولارات. يروجون عبر الإعلام ووسائل التأثير ومنها السينما والتلفزيون لعملية التبني بخيارات متعددة تتراوح ما بين الاقتناء «التبني» الدائم أو الدوري لعدة قطط وكلاب، أو تبنيها عن بعد بتحمل تكاليف الإقامة والمأكل والمشرب والعلاج،، بما فيها المطاعيم، فضلا عن العناية بلياقتها البدنية، فترى في شوارع واشنطن العاصمة ومدن رئيسية كبرى كنيويورك ترى طلبة في المرحلة الثانوية أو الجامعية يسترزقون -عبر تطبيق خاص بالهواتف الذكية- بأعمال حرة منها تمشية الكلاب أو قص شعورها وتقليم أظافرها الناعمة وأحيانا الملونة!
ليس سرا أن هذا النوع من التبني ضرب من ضروب الترف أو البطر، إن كان على حساب ما هو أحق بالتبني والكفالة والرعاية، ولذلك باب من بوابات الإحسان، نعود إليه بعون الله مع نهاية عامنا الحالي عندما تشح الأخبار السياسية!
لكن ما قصدته بالتبني الذي يُغني هو تبني المشاريع والمبادرات التطوعية التي قد تغني الكثير من الجهد والوقت والمال عن كثيرين، من بينهم الحكومة والمجتمع وحتى الأسرة والفرد. التبني كمفهوم بحاجة إلى التوظيف لا مجرد الترسيخ، والتعميم وليس فقط التأطير، التبني أسمى معاني حب الآخر وبالتالي خدمته، هكذا لوجه الله تعالى، وإن كان كما هو فعل الخير دائما خيرٌ على خير. فصُنع الخير يثمر وإن طال انتظار الحصاد.
ما استحضر معاني التبني في بالي فيديو لا يتجاوز بضع ثوان. فيديو تسلل إلى دائرة اهتماماتي كما رصدتها وحللتها خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي. بدأت الحكاية بالاستبشار بأمطار الغيث المباركة في «التشارين» الأول والثاني، قبل بضعة أيام.
لشتوة عمّان الحبيبة، عمّان وسط البلد، وعمّان بنجومها السبع، للمشتاقين إلى ما تغذيه شاشات الوطن ومنصاته الوطنية من صور تحرك المشاعر والحواس الخمس، وكأنك تشتم رائحة الأرض وأريج ثمار أشجار زيتونها وصنوبرها، لكل تلك التفاصيل التي تبدو بديهية، اعتاد عليها الناس وألفوا وجودها، لها وقع خاص لدى المغتربين.
أذكر أيام الإعدادية في تلك القلعة الرابضة فوق جبل الياسمين، كلية تراسنطة-اللويبدة، أذكر بعرفان وحنين ما كانت تقوم به «كشافة أسود الجبل» والحصص التطوعية الأسبوعية في المدرسة للخدمة العامة كإحدى النشاطات اللامنهجية التربوية والتعليمية.
المصطلح الذي ما زال عالقا في الذهن والضمير هو أن الخدمة وخاصة التطوعية، إنما هي أسمى معاني المحبة، وأن العلاقة بين مشروع العمل أو الخدمة والقائمين عليه من متطوعين هي كما علاقة التبني، فنقول أننا سنتبنى مشروع تعشيب الحديقة الخلفية مثلا، لا أن نبحث عن مقاول يتعهد ذلك المشروع بمال أو بالمجان. القيمة الحقيقية أن في تبني حملة في غاية الانضباط، كما حملات نشامى الأمن العام في الكشف على صلاحيات المركبات لفصل الشتاء، أو حملات أمانة عمان الكبرى لتفقد المناهل وصلاحيتها، وجهوزية الأماكن المنخفضة لاستقبال بركات السماء، في ذلك التبني غنى عن الكثير من التكاليف المالية ووفرا في الجهد والوقت، والأهم تعزيز الروح الوطنية التضامنية التكافلية بين أبناء المدرسة والحي والأسرة والعشيرة والقرية والمدينة والبوادي والحدود، كلها فيها من المشاريع التي بالإمكان تبنيها ما يعبر عن هذا المخزون والمعين الذي لا ينضب من حب الناس الحقيقي لله وللآخر، وانتمائهم وولائهم للوطن والدولة والعرش المفدى.
كم هو عظيم الشرف الذي تمنحه «خدمة العلم» لشبابنا الأردني وكم هي وفيرة فرص طاعة الله ومحبته في خدمة الوطن من مختلف الأعمار، وفي ميادين شتى. ليست الكشافة وحدها قادرة على ذلك، بل تشكيلات مدرسية وجامعية ومجتمعية وحزبية.
كلي ثقة وأمل ورجاء أن الكبار قبل الصغار يتلهفون لفرص تبني من هذا النوع. فرص قد تطلقها مؤسسات رسمية أو أهلية فضلا عن شاشاتنا ومنابرنا الوطنية الإعلامية. ذلك الفيديو القصير الذي تحدثت عنه في البداية تضمن تعليقا لمن ظن نفسه «الصحفي المواطن» تعليقا لا يليق بأشواقنا إلى المطر وإلى كل ذرة تراب أو طين اعتاد عليها وألفها البعض لدرجة تصوير أطراف رصيف متضرر بفعل الزمن أو جور الاستخدام، من السهل تبنيه دون انتظار مناقصة أو مقاولة أو شكوى فضائية ترنو «ترندا» لا فعلا مؤثرا أو عملا طيبا. قد لا يتطلب الأمر أكثر من «صرارة تسند حجراً أو زيراً»!