
أكد الكاتب قصي حمدان الجمال في جريدة الرأي، انه في الوقت الذي تتسابق فيه الجمعيات والمبادرات الحقيقية إلى حماية الحيوانات الضالة ورعايتها، ظهرت خلال الأشهر الماضية على منصات التواصل الاجتماعي فئة جديدة تستغل هذا الجانب الإنساني بطريقة خبيثة، عبر ادّعاء محبة الحيوانات وجمع التبرعات لها.
وتنتشر على صفحات «فيسبوك» ومنشورات «الريلز» حسابات لأشخاص يقدّمون أنفسهم على أنهم «أصدقاء الحيوان»، ويعرضون صوراً لكلاب جائعة أو مصابة، ثم يطلبون من المتابعين إرسال مبالغ مالية عبر المحافظ الإلكترونية لتأمين الطعام والعلاج. المشهد يبدو في الظاهر عملاً خيرياً، لكنه في جوهره خدعة عاطفية منظمة تستهدف جيوب الناس قبل عواطفهم.
اللافت أن أصحاب هذه المنشورات يعتمدون أسلوباً موحداً: خطاب عاطفي مبالغ فيه، صور غالباً مسروقة أو قديمة، غياب أي عنوان أو مقر عمل، وعدم وجود ترخيص يسمح بجمع التبرعات كما تفرضه التشريعات الأردنية. والأخطر هو الإصرار على التحويل عبر محافظ إلكترونية دون أي إيصال أو كشف حساب، ما يجعل تتبع الأموال شبه مستحيل، ويحوّل «القضية الإنسانية» إلى واجهة لعمليات احتيال واضحة.
وزارة التنمية الاجتماعية أكدت مراراً أن جمع التبرعات للأفراد محظور قانوناً دون ترخيص رسمي، لأن هذه الممارسات قد تُستغل لغسل الأموال أو جمع مبالغ غير مشروعة، فضلاً عن المخاطر الأخلاقية المرتبطة باستغلال قضايا إنسانية لتحقيق مكاسب شخصية.
ورغم ذلك، ما زال كثيرون يقعون في الفخ بدافع الرحمة والتعاطف، خصوصاً في ظل انتشار المحتوى المؤثر الذي يستهدف الجانب العاطفي لدى المتابعين. وهذا يدعونا اليوم إلى تعزيز الوعي الرقمي، وفهم أن «النية الطيبة» وحدها لا تكفي، وأن دعم الحيوانات لا يكون عبر الأشخاص المجهولين، بل عبر جمعيات رسمية ومرخصة تخضع للرقابة.
إن ظاهرة «محبّ الحيوانات الوهمي» ليست مجرد سلوك فردي، بل مؤشر على فراغ رقابي في فضاء التواصل الاجتماعي، وجرس إنذار لضرورة حماية المجتمع من أساليب الاحتيال الجديدة التي ترتدي ثوب الرحمة وتخفي نوايا أخرى.
فالأردنيون معروفون بكرمهم وحسّهم الإنساني، لكن هذا الكرم يجب أن يُوجَّه نحو الجهات التي تعمل بمهنية ومسؤولية، لا إلى حسابات مجهولة تختفي عند أول مطالبة بإثبات.
إن حماية الحيوانات واجب أخلاقي، لكن حماية المجتمع من الاحتيال واجب وطني لا يقل أهمية. وبين هذين الواجبين، تبقى المسؤولية على كل فرد في التحقق قبل التبرع، والإبلاغ عن أي محتوى مشبوه، حتى لا تتحول الرحمة إلى باب للسرقة، ولا يصبح «حب الحيوانات» شعاراً لمن لا يعرفون من الرحمة سوى ما يحقق لهم الربح السريع.