النسخة الكاملة

دبلوماسية رقمية متقدمة لمواجهة أزمة شرعية ودعم متراجع

الأربعاء-2025-11-12 10:55 am
جفرا نيوز -

علي ابو حبلة

تشهد إسرائيل مرحلة غير مسبوقة في إدارة صورتها الدولية، إذ تكشف الوثائق الأخيرة عن استثمار حكومي بمئات الملايين من الدولارات في حملات إعلامية رقمية مكثفة في الولايات المتحدة، مستهدفة بشكل خاص الجماهير المسيحية الإنجيلية والشباب الأمريكي، في محاولة لمواجهة تراجع الدعم التقليدي وتعزيز الشرعية السياسية بعد حرب غزة الأخيرة.

التحول إلى الدبلوماسية الرقمية

تكشف العقود المبرمة بين الحكومة الإسرائيلية وشركات مثل هافاس ميديا وكلوك تاور إكس عن اعتماد متكامل على أدوات التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، روبوتات المحادثة، وتحسين محركات البحث، لتشكيل الرأي العام حول إسرائيل وفلسطين. تشمل الحملات إنتاج مئات القطع الإعلامية الشهرية فيديو، بودكاست، نصوص ورسوم وتوجيه رسائل دقيقة عبر منصات التواصل الاجتماعي، بهدف الوصول إلى عشرات الملايين من المستخدمين.

وفي خطوة غير مسبوقة، تخطط هذه الحملات إلى تنفيذ ما يسمى بـ»السياج الجغرافي» لتحديد مواقع الكنائس والكليات المسيحية الكبرى وتتبع الحضور، ما يمكّنها من استهداف الجمهور برسائل مخصصة، وهو ما يعكس تحول إسرائيل من الهاسبارا التقليدية إلى استخدام أدوات رقمية متقدمة تعتمد على البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي.

أزمة الدعم التقليدي

تشير استطلاعات مركز بيو للأبحاث بين عامي 2022 و2025 إلى تراجع حاد في دعم إسرائيل حتى بين مؤيديها التقليديين. فقد ارتفعت النظرة السلبية تجاه إسرائيل في الولايات المتحدة من 42? إلى 53?، مع زيادة واضحة بين الجمهوريين الشباب والمؤيدين الإنجيليين. هذه الأرقام تكشف عن أزمة ثقة عميقة، دفع إسرائيل إلى استثمار مبالغ ضخمة في استعادة التأييد السياسي والثقافي.

الاستراتيجية الدينية والسياسية

تركز الحملات على تعزيز دعم المسيحيين الإنجيليين عبر رسائل دينية مستمدة من الكتاب المقدس، تربط بين «أهمية إسرائيل» و»تهديد الإرهاب الفلسطيني»، مع تصوير الصراع على غزة كقضية أخلاقية تتطلب الدعم الإسرائيلي. كما تستخدم الحملة روايات مضللة عن العنف والإرهاب، بهدف إقناع الجمهور الأمريكي بأحقية السياسات الإسرائيلية، مع تعزيز فكرة الصراع الحضاري ضد الإرهاب الفلسطيني والإيراني.

مقاربة استراتيجية لما تعانيه إسرائيل

تعكس هذه الحملات الإعلامية الرقمية أزمات إسرائيل الداخلية والخارجية:

1. أزمة شرعية دولية: ضعف موقف إسرائيل على الصعيد الأخلاقي والسياسي بعد المجازر في غزة وارتفاع الانتقادات الدولية.

2. فقدان الدعم التقليدي: تراجع التأييد بين مؤيدي إسرائيل التاريخيين، ما دفع الحكومة إلى إنفاق ملايين الدولارات لاستعادته.

3. الاعتماد على التكنولوجيا والدعاية: استخدام الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية يعكس هشاشة الصراع الإعلامي وأهمية التأثير المباشر على وعي الجمهور.

4. أزمات أخلاقية وأمنية: استخدام أدوات تحديد المواقع وتتبع الأفراد يثير جدلاً حول الخصوصية ويمثل انعكاسًا للتوتر الداخلي بين الأمن الإعلامي والمساءلة الأخلاقية.

استنتاج

تسلط الحملات الإسرائيلية الرقمية الضوء على هشاشة استراتيجية الاحتلال في مواجهة وعي عالمي متزايد حول حقوق الفلسطينيين، وعلى محدودية أدواتها في كسب دعم دولي دائم. فحتى مع الاستثمار بمئات الملايين في الترويج الإعلامي، تبقى إسرائيل أمام تحدٍ مركب: الحفاظ على دعم دولي متراجع، وإعادة تشكيل الرأي العام الأمريكي، في ظل ضغوط أخلاقية وسياسية لم يشهدها الاحتلال من قبل.

إن ما يحدث اليوم ليس مجرد حملة دعائية، بل مؤشر على أزمة هيكلية وعميقة في الشرعية الدولية لإسرائيل، تؤكد أن القوة العسكرية والسيطرة على الأرض لم تعد وحدها تكفي لضمان الدعم أو الإقناع الدولي.

 

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير