جفرا نيوز -
المهندس محمد عبدالحميد المعايطة
بعد حل البلديات كان لي فرصة للحديث في اكثر من موقع عن البلديات وظروفها وقرار الحل وأسبابه الحقيقية وليس كما ادعت الحكومة، فضائياتنا وصحافتنا وبأمر من الحكومة تمنع بث اي رأي آخر مغاير لرأيها، وهذا ليس بغريب فقد تعودنا قمع الرأي الاخر وأصبح نهج دائم ، "وعجايب " الأردن كثيره ، وعلى رأي احد الاشخاص في مجلس الامة بأن هذا الأردن" لزيز "، وآخر تجلياته مهزلة حامل جائزة نوبل ألأخيرة.
موضوع البلديات متشعب وطويل وبناء على طلب العديد من المهتمين سوف أتناوله بعدد من الحلقات ، وقبل الدخول في وضع البلديات ، أليس من الواضح للجميع بان كل مؤسسات الوطن في حالة تراجع ، والملك نفسه قبل سنوات طرح ضرورة معالجة ترهل الإدارة العامة لا بل هي في انهيار ، وطرح أوراق نقاشية مليئة بالأفكار الجيدة التي لم تنفذ منها الحكومات شيء ، هل جامعاتنا ومستشفياتنا ومدارسنا وكافة مؤسسات القطاع العام بنفس المستوى الذي كانت عليه قبل ثلاثين عاماً ام ان حالة التراجع عامة ومنها البلديات ، المديونية والفساد، الفقر والبطالة وغيرها من الموبقات صارت أضعاف مضاعفة ،وقبل الدخول الى بداية مظاهر وأسباب تردي وضع البلديات منذ ما يقارب الثلاثين عاماً لا بد من لمحة بسيطة عن تاريخ البلديات، فعند تأسيس الإمارة عام ١٩٢١ كان في الأردن عشرة بلديّات قائمة منذ العهد العثماني ولغاية عام ١٩٥٥ بقيت البلديات تعمل على القوانين العثمانية رغم تغيير المسميات، لكن في عام ١٩٥٥ صدر افضل قانون للبلديات تحت رقم ٢٩ ، وشمل هذا القانون ما كان موجوداً في القوانين العثمانية السابقة وإضافات كثيرة من قوانين الإدارة المحلية واللامركزية وبالذات القانون الفرنسي، واستمر العمل بهذا القانون لغاية عام ٢٠٠١ مع بعض التعديلات على بعض المواد،وهذا القانون أعطى صلاحيات كبيرة لرئيس البلدية والمجلس البلدي إضافة الى اختصاصات وصلاحيات كبيرة جعل من البلدية جسم محترم داخل المجتمعات المحلية ويحوز على ثقة المواطنين.
بدأ بعض الخراب والدمار يحبو مع تقلص دور حراثين المنايا* وظهور صغار الذئاب منذ منتصف السبعينيات متزامن مع الطفرة النفطية وما تلاها من تداعيات، أيضاً غياب الحياة الديمقراطية والأحزاب فأول ما سطا البعض على صلاحيات واختصاصات البلديات في المياه والكهرباء وبناء المدارس والعيادات الصحية وذلك لإنشاء هيئات مرفقية بقيادة أبناءهم ( مؤسسة مياه الشرب ، سلطة الكهرباء، مؤسسة رعاية الشباب) وقدموا نفس الأسباب بعد ثلاثين عاماً على تأسيسها لبيعها بابخس الأثمان وإنتاج هيئات جديدة لادارة هذه المرافق بقيادة احفادهم وكانت الحجة دائماً بأن البلديات وفيما بعد القطاع العام غير قادر على ادارة هذه الخدمات .
لغاية عام ١٩٨٠ كان في الأردن ما يقارب من ١٣٠ بلدية ووصلت عام ١٩٩٠ إلى ١٥٨ بلدية ، اي أن الزيادة خلال عشرة سنوات بلغت ٢٨ بلدية وما يقارب ٢٣ مجلس قروي ، ومع بداية عمل مجلس النواب في نهاية عام ١٩٨٩ والاختراع الاردني لما يسمى نائب الخدمات ، أول الضحايا كانت البلديات ولإرضاء نائب الخدمات بدأ تفريخ بلديات ومجالس قروية جديدة لتقديم الخدمات للنواب من خلال التعيينات وخدمات أخرى مما أدى الى استنزاف مخصصات البلديات من نسبة المحروقات، وخلال هذه العشرية من عام ١٩٩٠ لغاية عام ٢٠٠١ اصبح عدد البلديات ٣٢٨ بلدية والمجالس القروية زادت عن ٤٥٠ مجلس ، خلال هذه العشرية اصبح لدينا اكثر من ضعف عدد البلديات الموجودة منذ تأسيس الإمارة، وجميع هذه البلديات والمجالس القروية كان تأسيسها مخالف لقانون البلديات ، في البوست القادم سأعرض الضربة الثانية التي تلقتها البلديات.
*حراثين المنايا هم جيل البناة الاوائل الخمسينيات والستينيات والسبعينيات الذين احترموا سيادة القانون ولم تمتد أيديهم إلى المال العام وكانوا ناصحين للملك المرحوم واختلفوا معه في كثير من المواقف ومعظمهم نجح في الانتخابات بالتزوير لكن حتى التزوير في تلك الايام كان محترم وليس على الطريقة التي نشاهدها اليوم
* رئيس بلدية الكرك السابق