النسخة الكاملة

غزة بعد الهدنة... هل تنطفئ شعلة المقاومة أم تتجدد؟

الأحد-2025-10-12 09:58 am
جفرا نيوز -
ماجد احمد السيبيه

ما بعد اتفاق غزة لا يبدو نهاية فصلٍ في الصراع، بل بداية طور جديد من الحسابات والتحولات. فالاتفاق، مهما تزيّن بمفردات "التهدئة” و”وقف إطلاق النار”، يبقى في جوهره هدنة اضطرارية لا صلحًا نهائيًا، لأن جذور النزاع أعمق من أن تُدفن ببنود سياسية أو ضمانات أمنية مؤقتة. إنها محطة مؤقتة في صراع طويل بين مشروعين: مشروع يسعى إلى تكريس واقع الاحتلال والتفوق، وآخر يصرّ على البقاء رغم الجراح والدمار.

إسرائيل دخلت الاتفاق مثقلة بالخيبة العسكرية والضغط الدولي، تبحث عن مخرج يحفظ ماء وجهها بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها في غزة. أما المقاومة فدخلته من موقع الصمود لا الهزيمة، بعدما حوّلت القطاع المحاصر إلى ساحة أرهقت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وفرضت معادلات ردع جديدة. ومع ذلك، تدرك المقاومة أن الهدنة ليست نهاية المعركة، بل استراحة لاستعادة الأنفاس، وإعادة ترتيب الصفوف، ومواصلة بناء أدوات القوة التي أثبتت فاعليتها رغم الحصار والتضييق.

الضفة الغربية بدورها تقف على عتبة مرحلة مربكة. فبينما تحاول السلطة الفلسطينية أن تستعيد دورها كممثل شرعي وحيد، تبدو الأرض هناك أكثر التهابًا. الشباب الفلسطيني في مدن مثل جنين ونابلس يعبّرون عن واقع جديد يتجاوز أطر التنسيق الأمني والسياسة التقليدية، ويرى في المقاومة خيارًا أكثر واقعية من المفاوضة العقيمة. وهنا تكمن المفارقة: فكلما حاولت السلطة ترميم صورتها السياسية، ازداد الشارع ابتعادًا عنها، وازداد اقترابه من روح غزة التي أصبحت رمزًا للكرامة والممانعة.

أما المجتمع الدولي، الذي يدّعي الحرص على "السلام”، فقد تعامل مع غزة دائمًا كملف إنساني لا كقضية سياسية. يقدم المساعدات ويطالب بالتهدئة، لكنه يتجاهل أصل المشكلة: الاحتلال المستمر. ومع ذلك، تبدو موازين الرأي العام العالمي في تغير واضح، حيث باتت صور الدمار والمجازر تصنع وعيًا جديدًا في العواصم الغربية، وتعيد تعريف معنى العدالة في هذا الصراع.

غزة، التي قيل عنها يومًا إنها "بقعة صغيرة على الخريطة”، أثبتت أنها مركز ثقل في الوعي العربي والإسلامي. ومن الصعب تخيّل أنها ستتحول إلى مدينة منزوعة السلاح أو مجرد منطقة خاضعة لإدارة دولية. فهي باتت مدرسة في الصبر والمقاومة، وذاكرة حية تعيد إنتاج الإرادة كلما حاول العالم طمسها. وكما أن النار لا تنطفئ إلا حين تنفد جذوتها، فإن جذوة غزة لا تنفد، لأن فيها جيلًا بعد جيل يتعلم أن الحياة بلا كرامة ليست حياة.

لهذا، فإن الاتفاق الحالي، مهما حمل من وعود بالتهدئة وإعادة الإعمار، لن يغيّر حقيقة أن الصراع لا يُحل إلا بزوال أسبابه الجوهرية. فغزة ليست فقط جغرافيا للمقاومة، بل فكرة تتجاوز المكان والزمان. وكلما خمدت المعارك فوق أرضها، اشتعلت داخل الوعي الفلسطيني شعلة جديدة تقول: إن من يملك الإرادة، لا يُهزم.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير