جفرا نيوز -
محمد أبو رمان
بالرغم من أنّ استثناء محافظات مثل السويداء والرقة والحسكة من الانتخابات البرلمانية غير المباشرة (التي حدثت أمس ) كان مضراً بالمرحلة الانتقالية الحساسة والدقيقة التي تمرّ بها سورية، إلاّ أنّ الظروف الأمنية والسياسية لم تكن لتسمح بذلك في المرحلة الحالية، على الأقل، والأمر نفسه ينطبق أيضاً على الأسباب الكامنة في أن تكون الانتخابات غير مباشرة، لحجم النازحين واللاجئين والفاقدين لأوراقهم والضعف الشديد في الخدمات والاتصال والقدرات التنظيمية للنظام الجديد.
ربما كان يفضّل البعض تأجيل الانتخابات حتى تكون الظروف أفضل وخارطة الطريق أكثر نضجاً، وهو خيار منطقي، لكن في المقابل فإنّ إجراء انتخابات لمجلس نيابي انتقالي (مدته 30 شهراً قابلة للتمديد) يوفّر أيضاً شرعية دستورية للنظام الجديد، بالإضافة إلى الشرعية الثورية (بإسقاط نظام الأسد)، ويوزع السلطة بصورة أفضل، ويضمن توازناً نسبياً للسلطات بدلاً من أن تبقى القرارات المهمة والمصيرية بيد مجموعة صغيرة ومحدودة ومحسوبة على تيار معين.
الانتخابات جرت أمس وطغت عليها الصيغة الفردية في الترشّح (نظراً لعدم وجود قوانين أحزاب بعد وللظروف الصعبة في البلاد)، ويتكون مجلس النواب من 210 نواب منهم 140 في الاقتراع و70 يعينهم الرئيس (وحجة ذلك أنّ الهدف ضمان نسبة أكبر من العدالة لمن لم يحالفهم الحظ من المناطق والتكوينات الاجتماعية التي لم تستطع المشاركة بفعالية؛ لكن لا يخفى أيضاً أن الرئيس يبدو أنّ ثلث المقاعد بيده، وسوف تكشف طبيعة التعيينات والاتجاهات عن السبب الحقيقي الكامن وراء تعيين الثلث)، وبالرغم من محدودية عدد النساء المرشحات ( 14% من المرشحين)؛ إلاّ أنّها خطوة أولى مهمة لحضور أكبر للنساء، والأمل أن يتمكن عدد جيد من الوصول إلى قبة البرلمان القادم وأن يكون هنالك قدر من التنوع الثقافي والمجتمعي والسياسي والطائفي في البرلمان الجديد.
لا تمثل الانتخابات نهاية المطاف، وهي مرحلة مؤقتة، لكن المهم هو الرسائل السياسية الداخلية والخارجية المنبثقة من هذه المرحلة؛ هل هنالك مساحة من الحرية الحقيقية والتعددية الدينية والثقافية والسياسية وفسحة في النظام السياسي الجديد للجميع؟ هل سيكون البرلمان لوناً واحداً؛ أم نظاماً يضمن الحقوق والحريات وقدراً كبيراً من العدالة والإنصاف، والأهم من هذا وذاك يقوم على مبادئ سيادة القانون والمواطنة والقبول بالتنوع والتعددية؟ هذه الأسئلة ليست برسم الإجابة مباشرةً عبر الانتخابات؛ لكن مجريات العملية ونتائجها وما بعدها من دور لمجلس الشعب؛ فإنّ ذلك كله إما سيضع سورية على الطريق الصحيح أو على المسار الخطير الآخر.
على الطرف المقابل هنالك تحديات كبيرة لا تزال مطروحة؛ وأخطرها الأجندة الإسرائيلية التي تقوم على مشروع استراتيجي تاريخي لحكومة بنيامين نتنياهو يتمثل بـ»ممر داوود»، ومحاولات إسرائيل اختراق الدروز والأكراد للوصول إلى أقليات ودويلات أو إمارات موالية لإسرائيل، والاختراقات السافرة لدرعا، لكن الطريق الإسرائيلي لتحقيق هذه الأجندة يمرّ عبر تفسيخ الداخل السوري، وكلما كانت العملية الانتقالية والانتخابات ناجحة وواسعة كلما كان ذلك قطعاً للطريق على نتنياهو ويمينه، فإذا تمكّنت حكومة الشرع من إثبات أنّها لا تنوي إقامة نظام أحادي وأنها تحترم التعددية والحريات العامة وأنها تنوي إقامة سورية جديدة مختلفة تماماً الجميع فيها مواطنون متساوون فإنّ ذلك هو أحد أهم الأسلحة لحماية وحدة سورية والسلم المجتمعي فيها.
إذاً المرحلة القادمة تحمل في طيّاتها اختباراً مهماً وخطيراً في آنٍ معاً للنظام السياسي الجديد؛ هو اختبار لثلاثة عناوين رئيسية؛ الكفاءة والمصداقية والعدالة؛ وكلما كانت نتائج الانتخابات أكثر تمثيلاً للاتجاهات السياسية والبنى الاجتماعية والثقافية والطائفية والدينية، وكذلك الحال بالنسبة لتعيينات الرئيس؛ كلما كان ذلك مؤشراً على أنّنا أمام نظام يدرك أهمية الجبهة الداخلية والسلم المجتمعي والوحدة الوطنية التي تشكّل لأحد أهم منظّري التحول الديمقراطي، دنكوارت روستو، الشرط والمتطلب الرئيس الوحيد لعملية الانتقال والتحول الديمقراطي.