جفرا نيوز -
خاص
كان واضحًا حتى ما قبل الحرب الشنيعة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، كم أن جلالة الملك عبدالله الثاني الذي يصفه الإعلام الأجنبي في أخبارهم بـ"ملك الأردن"، هو الوحيد تقريبًا الذي يذكر القضية الفلسطينية، ويدافع عنها باستماتة في أي محفل وأينما كان، حينها لم تكن الحرب التي يعيشها الفلسطينيون في مواجهة تبجح الاحتلال وحكومته بهذه الأهمية التي هي عليها الآن ، وواضح أكثر كيف ساهم الأردن بقيادته في تغيير وقلب موازين الرأي العام العالمي، بخطابات خلت من الدبلوماسية المحافظة إلى تلك التي لا تتحدث إلا بلهجة صارمة لا تقبل التلون أو التملق.
الملك في خطاباته الأخيرة بنيويورك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها الـ 80، طرح مجموعة أسئلة ثقيلة بأهميتها في ظل الحرب ، ونهج العربدة التي تمارسه إسرائيل على فلسطين ودول الشرق الأوسط، في وقت كانت ثقيلة ومؤذية على مسامع الوفود الممثلة لحكومة السفاح بنيامين نتنياهو ومن يؤيدونهم، لكن بالعودة إلى الجهود الدبلوماسية التي أخذت الضوء الأخضر من جلالة الملك لسنوات ، أصبح التأييد لدولة الإجرام في حالة تناقص مستمر، والاعتراف الأخير بدولة فلسطين من قبل أهم الدول الأجنبية كبريطانيا وفرنسا وغيرها، ما هو إلا اعتراف أيضًا بأن الكلمة الأردنية التي لم تنسَ القضية الفلسطينية يومًا، نجحت بإصابة الهدف ومن مسافة صفر.
من حق شعب الأردن الذي يواجه ضغوطات متعبة جدًا بحكم موقعه الاستراتيجي، وقلة الموارد وغيرها من المعيقات، أن يأخذوا وضعية الدفاع المستمر عن وطنهم، الذي لم يقصر فعلًا، ليس مع غزة وفلسطين فقط، فالأردن ليس دولة أزمات آنية، ولا يبحث عن استغلال أزمات الدول للظهور المفاجئ، لا بل أنه وقف مع دول عربية أخرى، وفتح أرضه وأبوابه لها، في وقت تنصل البعض من المسؤولية التي يفترض أنها مشتركة، ولعل وسائل إعلام هذه الدول كانت شهادة على ما قدمه الأردن على مدار سنوات؛ من حضور دبلوماسي قوي، وسردية لا يمكن أن تنتهك.
الملك عبدالله الثاني كان الرقم الأصعب في كل المحافل الدولية التي عُقدت، لتتحدث عن قضايا وحروب وملفات ساخنة في المنطقة والعالم، لفت الأنظار ليس لأنه "ملك الأردن"؛ بل لأنه جعل العالم يعرف ما هو موقف الأردن بوضوح وصراحة، وحتى لو كان ذلك على حساب أي تنازلات ستقدم في سبيل ألا تكون على حساب القضية الفلسطينية، وتؤكد قنوات اتصال عليمة أنه عشية إلقاء الملك خطابه في نيويورك، ولحين الاستمرار بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، تعرض الأردن لضغوطات معروف كيف تروج لها وتطرحها إسرائيل، التي لم يُعجبها كيف كسر الأردن شوكتها بأمور عدة؛ كان أهمها الإنزالات الجوية على قطاع غزة، والاستمرار بإرسال المساعدات الإغاثية، والمستشفيات الميدانية التي تعرضت مرارًا لقصف الاحتلال.
شتان ما بين كلمة جلالة الملك التي "تهتز لها المسامع"، وما بين كلمة المعتوه نتنياهو الذي لم يتمكن الحاضرون من سماع صوته، فكان ردهم بالخروج من قاعة الجمعية العامة ؛ حتى لا يسمعوا وقاحته التي لا تمت للسياسة العالمية بصلة، والجميع يعرف حجم العلاقات الثنائية الطيبة التي تجمع الملك مع قادة ورؤساء الدول في العالم أجمع، فهو أينما كان يكون "محضرًا للخير" ، والسردية الأردنية واثقة من أن دورها لا يقتصر فقط على الحضور في المحافل الدولية، بقدر التأثير في صياغة القرارات، وتغيير الرأي العام العالمي، إزاء قضية ما غابت يومًا عن القيادة الهاشمية ولن تغيب ، طالما أن سياسية الأردن وملفاته بمعزل عن الانصياع لأحد؛ لأنه في الأردن كما يعلم الأشقاء العرب القائد "شوره من راسه"، وعند الاستغاثة به فهو أول الحاضرين وخيرهم.