جفرا نيوز -
لم يحمل المدير الفني الجديد جمال محمود عصا سحرية حين غير ملامح فريق الوحدات وأدائه بين ليلة وضحاها، لكنه امتلك من الحنكة والقدرة على قراءة التفاصيل ما مكنه من إنعاش «الأخضر» في أصعب الأوقات.
خرج الوحدات بهدف مهند سمرين، منتصرا على حامل اللقب الحسين إربد أول من أمس، في مباراة استعاد فيها الفريق شخصيته بعد فترة اهتزاز غريبة في المستوى والنتائج، أطاحت بسابقيه التونسي قيس اليعقوبي والبوسني داركو نيستوروفيتش.
«خلطة جمال محمود» أعادت الروح للوحدات في لحظة حرجة، فالفريق كان في المركز الخامس على سلم الترتيب، عائدا من خسارة موجعة أمام المحرق البحريني برباعية قاسية، في مستهل مشواره بدوري أبطال آسيا «2»، بينما مقاطعة الجماهير تضيق الخناق أكثر فأكثر.
ومع ذلك، قبل محمود التحدي، فغرس جرأته وخبرته في الفريق، وضخ «جرعة حياة» أعادت الأمل للإدارة واللاعبين، ومهدت لعودة الجماهير إلى الالتفاف حول ناديها.
وكان فوز الوحدات الأبرز في الجولة السابعة، إذ قفز بالفريق من المركز الخامس إلى الثالث برصيد 13 نقطة، خلف الفيصلي صاحب الـ16 نقطة، والرمثا المتصدر بـ19 نقطة، فيما تراجع الحسين إربد إلى المركز الرابع بـ12 نقطة.
وما يلفت أن «السير جمال»، كما يحلو لعشاق الوحدات أن يلقبوه، لم يأتِ محملا بالشعارات بقدر ما جاء بخطة عمل مدروسة؛ وقبل أن تطأ قدماه أول تدريب – عشية المباراة – كان تابع مباريات الوحدات بتمعن، وتناقش مع زملاء وخبراء، ودون في كراسته ملاحظات دقيقة، مستعينا بتحليلات إحصائية من محللي الأداء، ومع طاقمه المساعد، حدد الأسلوب والشكل والخطة، واضعا تفاصيله وفقا لمعرفة واسعة بخصمه.
الأهم أن محمود أدرك أن العلاج يبدأ من الداخل، من نفسية اللاعبين، فكان تركيزه الأول على إعادة الثقة وتحفيزهم منذ محاضرته الأولى، ثم بجلسات فردية اتسمت بالصراحة والدفء؛ اقترب من اللاعبين، استمع لمشاكلهم، قدم حلولا عملية، وبالأخص مع قائد الفريق الذي جعله جسرا لنقل أفكاره إلى المجموعة.
وكانت أبرز جلساته مع مهند سمرين، هداف الموسم الماضي، الذي غاب عن التسجيل في المباريات السابقة وفقد شيئا من بريقه، واجهه محمود بحقيقة أزمته وقدم له طروحات مختلفة للخروج منها، وكذلك فعل مع لاعب الوسط عامر جاموس، الذي تراجع مستواه بشكل لافت، واجهه أيضا، وحفزه على استعادة تركيزه وبريقه، مؤكدا له أن عودته القوية ستفتح أمامه أبواب المنتخب في مونديال العالم.
ولم يكن اختيار هذين اللاعبين اعتباطيا، فهما كانا مفتاح الفوز أمام الحسين؛ جاموس بصناعته للهدف، وسمرين بتوقيعه عليه بأسلوبه المراوغ المعروف.
على الصعيد التكتيكي، وزع محمود أفكاره بذكاء على وحدات المباراة: كثافة عددية في وسط الملعب، دفاع متقدم، ضغط متواصل على حامل الكرة، وافتكاك سريع لإغلاق المساحات، فجاء أداء الوحدات متماسكا ومنظما، حتى بدا وكأنه فريق آخر، قدم أجمل عروضه هذا الموسم، لينال إشادة النقاد والجماهير على حد سواء.
وجسد محمود معنى «المدرب المحترف» بكل تفاصيله، ففي أول اختبار له مع الوحدات، واجه فريق الحسين إربد، النادي الذي قاده بنفسه إلى كتابة التاريخ عندما أحرز معه أول لقب دوري في الموسم 2023-2024، والمفارقة أن أولى مبارياته مع «الغزاة» وقتها كانت أمام الوحدات، وانتهت بفوز الحسين 2-1.
هذه التجربة ليست جديدة على جمال محمود مع الوحدات، فقد تولى المهمة لأول مرة الموسم 2017-2018، وقاد الفريق حينها للتتويج بألقاب الدوري والدرع، إضافة إلى كأس السوبر، وهو الذي تربى في النادي منذ طفولته، لاعبا منذ العاشرة، ومدربا في الفئات العمرية، ثم مساعدا لمدربين كبار بين العامين 2003 و2009، أمثال المصري محمد عمر، ثائر جسام وأكرم سلمان، ليساهم معهم في بطولات الدوري، الكأس والسوبر والرباعية التاريخية العام 2009.
أما الجماهير، فما تزال تحفظ له هتافها الأشهر: «يا جمال يا جمال يا جمالو»، الذي دوى في المدرجات يوم سجل ركلة الترجيح الحاسمة في مرمى الفيصلي العام 1996، مانحا الوحدات لقب الدوري، ضمن «الجيل الذهبي» الذي كتب تاريخ النادي في تسعينيات القرن الماضي، وهو اللاعب الذي ارتدى «الأخضر» منذ العام 1988 حتى اعتزاله في العام 2003، ليعود اليوم بدور مختلف، لكن بالعاطفة والإخلاص ذاتهما.