النسخة الكاملة

ربيعة ابو رمان.. صوت صغير لكنه يحمل وطنًا

Friday-2025-09-11 07:14 pm
جفرا نيوز -
حين نتحدث عن الطفولة العربية.. كثيراً ما نغرق في الحكايات البسيطة.. والابتسامات العابرة.. لكننا نادراً ما نجد طفلة.. تحوّل براءتها.. إلى رسالة.. وصوتها الصغير.. إلى منبر.. وهنا تقف ربيعة أبو رمان.. ابنة جبل القلعة في حاضرة الاردن.. السلط السلطانة.. لتثبت أن العمر ليس معياراً.. وأن الفكر إذا سبق سنوات الجسد.. فإنه قادر أن يصنع دهشةً.. تتجاوز حدود المكان والزمان..
 
هذه الطفلة.. التي لا تزال في الصف العاشر بمدرسة حكومية.. نسجت لنفسها طريقاً مختلفاً.. لم تركن إلى مقاعد الدراسة وحدها.. بل راحت تبحث عن ذاتها بين الكتب.. وبين الشاشات.. وحتى بين القبور الصامتة للجنود الأتراك في السلط.. حيث التقت بالسفير التركي.. وتحدثت معه بلغة لم تتعلمها في صف.. بل تعلمتها وحدها بشغفٍ وإصرار.. فصارت تجيد التركية.. كما لو أنها نشأت في إسطنبول..
 
ربيعة لم تكتفِ باللغة.. بل حملت معها هماً أكبر.. همّ الطفل العربي.. الذي يتعرض يومياً لسيل من المحتوى الهابط.. دون حسيب.. أو رقيب.. فطالبت أن يكون للتراث العربي نصيب في مناهجنا.. لكن ليس التراث الجامد.. الذي يملّ منه الأطفال.. بل التراث الحيّ.. الذي يُزرع في قلوبهم بحب.. لأنها تؤمن أن الأصل ما يبلى.. وأن الهوية إذا لم تتجذر في الصغر.. فإنها تذبل في الكبر..
 
ومن هذه الرؤية الواضحة.. اختارتها وزارة الثقافة.. لتمثل الأردن في البرلمان العربي للطفل.. وهناك لم تكن مجرد مشاركة.. بل تحولت إلى صوت أردني أصيل.. عبّر عن الهوية.. ودافع عن اللغة.. وحذّر من الغزو الثقافي.. حتى انتُخبت رئيسةً للجنة حقوق الطفل في البرلمان.. لتصبح سفيرةً لا تحمل لقباً فخرياً.. بل إنجازاً حقيقياً.. في عمر لم يتجاوز الخامسة عشرة..
 
ربيعة تمثل الأردن.. حتى في لباسها.. وفي لهجتها.. وفي اعتزازها بجذورها.. وهي حين تتحدث.. تذكرك أن الهوية ليست ماضياً نتغنى به.. بل حاضر نبنيه.. ومستقبل نصونه.. ولذا جاءت عبارتها "صوت واحد.. آمال كثيرة" كخلاصة لرؤيتها.. فهي تؤمن أن الطفولة العربية.. قادرة أن تتوحد حول حلم كبير.. مهما اختلفت تفاصيلها الصغيرة..
 
ما يثير الدهشة.. أن كل هذه المسيرة.. ليست مدفوعة بامتيازات خاصة.. بل بمدرسة حكومية بسيطة.. وبيت متواضع في جبل القلعة.. لكنها بيّنت.. أن القمم لا تحتاج إلى قصور.. بل إلى عقول حرة.. وإرادة صلبة.. وقلوب تعرف طريقها..
 
إن الحديث عن ربيعة أبو رمان.. ليس مجرد إضاءة على طفلة موهوبة.. بل هو رسالة لأصحاب القرار.. أن بيننا نواة لشخصية قادرة.. أن تصبح رمزاً عربياً في المستقبل.. إذا ما وُجّهت بالشكل السليم.. وتُبنيت برعاية حقيقية.. فمثل هذه الطفلة.. ليست مُلكاً لعائلتها وحدها.. ولا للسلط وحدها.. بل هي مُلك للوطن كله.. وربما للوطن العربي بأسره..
 
ربيعة ليست حلماً بعيداً.. بل واقعاً يمشي بيننا.. وكل ما نحتاجه.. أن نلتفت إليه.. ونصونه.. ونمنحه الفرصة التي يستحقها.. لعلها تكون الشرارة التي تعيد الثقة.. بأن أجيالنا قادرة أن تصنع الفرق.. وأن الطفولة إذا أُحسن غرسها.. أثمرت رجالاً ونساءً يقودون أمة..

محمود الدباس - أبو الليث..
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير