جفرا نيوز -
عوني الداوود
منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشغل الشاغل للعالم كلّه، بسبب قراراته الفجائية وغير المدروسة إلى درجة التخبّط ـ بحسب كثير من المراقبين والخبراء ـ والدليل تراجعه أكثر من مرّة عن قرارات كان يتخذها دون دراسة لآثارها الداخلية والخارجية.
الرئيس ترامب ـ ومن وجهة نظر كثيرين ـ يتعامل مع السياسة وكأنه يدير شركة خاصة، ولذلك فهو يسعى غالبًا لعقد صفقات وتحقيق انتصارات سريعة.. لكنه في المقابل يتجاهل قواعد السوق في تعامله مع الدول، وفي مقدمة تلك القواعد «المعاملة بالمثل»، والتي تجاهلها مرارًا، كما تجاهل غالبًا الحاجة لإجراء دراسات واقعية قبل فرض قرارات، مستندًا إلى قناعاته بقدرة الاقتصاد المحلي الأمريكي على التكيف.
آخر قرارات ترامب فرض رسوم جمركية إضافية على الطرود البريدية، مما أدى إلى تعليق نحو 88 شركة بريد في العالم تعليقًا كليًا أو جزئيًا لخدماتها مع الولايات المتحدة، ما أدى إلى انخفاض الخدمات البريدية مع أمريكا بأكثر من 80 %.
الرئيس ترامب وفي خطابه الشهير يوم 20 يناير/كانون الثاني 2025 قدّم نفسه كصانع للسلام متعهدًا بوقف الحروب، ومنذ ذلك الحين لم يفِ بوعده ـ لا بل زاد من لهيب الحروب العسكرية والسياسية ـ خصوصًا في منطقتنا، وها هي إسرائيل تدمّر ما تبقّى من كل مظاهر الحياة في غزّة، وتتغوّل في الضفة.
اقتصاديًا.. ترامب فتح جبهة «حرب تجارية عالمية» منذ عودته للبيت الأبيض، ليس فقط مع الصين التي اضطر لإجراء هدنة معها بعد قرار رفع الرسوم الجمركية على وارداتها إلى نحو 145 % بدلًا من 20 %، وكادت أن تصل إلى 245 % قبل أن يتخذ «قرار الهدنة» نتيجة إدراكه بأنّ الصناعات الأمريكية المحلية التي روّج بأنّ قرار رفع الجمارك على الواردات يهدف لحمايتها، قد تضررت، لأن معظمها يستورد المواد الخام من الخارج، مما أدى إلى ارتفاع كلف الإنتاج، وبالتالي لم تستفد تلك الصناعات من قرارات ترامب الحمائية.. أضف إلى ذلك، ومن مبدأ «المعاملة بالمثل»، فقد استخدمت الصين «أوراق ضغط»، واتخذت قرارات منها: رفع الرسوم الجمركية على واردات أمريكية، ووقف تصدير المعادن النادرة، وتعليق تسلّم الطائرات من شركة «بوينغ» الأمريكية.. الأمر الذي دعا ترامب للتراجع وإعلان «الهدنة التجارية».
اليوم وبعد نحو 7 أشهر على توليه مقاليد الحكم، رافعًا شعار «أمريكا أولًا»، ومطالبًا الأمريكيين «بالصبر»، واعدًا إياهم بأن تكون أمريكا «أكثر غنى».. وبعد العديد من القرارات الاقتصادية التي اتخذها، من حق الأمريكيين والعالم اليوم ـ المتأثرين بصورة أو بأخرى بكل تلك القرارات ـ أن نتساءل: ما الذي تحقق سلبًا أو إيجابًا؟ والجواب في الأرقام والمؤشرات التالية بعيدًا عن الأهواء الشخصية:
1 - تراجع الوظائف.. فقد ارتفع معدل البطالة إلى 3.4 %، وأظهرت المراجعات أن الاقتصاد خسر 13 ألف وظيفة خلال حزيران الماضي، فيما تعد أول خسائر شهرية يتم تسجيلها منذ كانون الأول 2020، خلال جائحة كورونا.
2 - عند فرضه للرسوم الجمركية في أبريل الماضي قال: «ستعود الوظائف والمصانع إلى بلادنا، وترون ذلك يحدث الآن»، ولكن منذ أبريل الماضي شطب أصحاب المصانع 42 ألف وظيفة، كما خفّض أصحاب شركات البناء القوة العاملة بواقع 8 آلاف وظيفة.
3 - في مبرّرات حملته لترحيل المهاجرين الذين يقيمون في البلاد بصورة غير قانونية كان ترامب يقول إنه بذلك يحمي «الوظائف السوداء»، ولكن معدل البطالة بين أصحاب البشرة السوداء ارتفع إلى 5.7 %، فيما يعدّ أعلى معدل يتم تسجيله منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021.
4 - ترامب تعهّد بـ»إنهاء» التضخم في «يوم واحد» وخفض أسعار الكهرباء إلى النصف خلال 12 شهرًا، لكن التضخم ارتفع من 3.2% في أبريل الماضي إلى 7.2 % في يوليو الماضي، كما ارتفعت تكاليف الكهرباء إلى 6.4 % حتى الآن هذا العام.
*باختصار: جميع القرارات الاقتصادية التي اتخذها ترامب حتى الآن، وتراجع عن كثير منها في اللحظة الأخيرة تحت ضغط السوق، حتى أصبح ذلك يُعرف بظاهرة «ترامب يتراجع دائمًا» أو (theory TACO)، تلك القرارات ـ وفقًا لوجهة نظر ترامب ـ تندرج تحت شعار «أمريكا أولًا» وستدرّ مليارات الدولارات سنويًا، لكن انعكاساتها على الاقتصاد العالمي سلبية جدًا في غالبيتها.
نجاح أو فشل قرارات ترامب اليوم بات يعتمد على مدى قدرة الأمريكيين ـ الذين تنعكس عليهم القرارات سلبًا حتى الآن ـ على الصبر للمدى المتوسط والطويل علّ تلك القرارات تؤتي أُكلها.
على العالم ـ والأردن ليس استثناء ـ أن يبقى طوال فترة الرئيس ترامب في حالة ترقّب (Standby) وحساب الخسائر/غالبًا نتيجة كل قرار مفاجئ، لأنه من الواضح جدًا بأن القرارات لن تتوقف عند (الرسوم الجمركية على الواردات ـ ورسوم طرود البريد ـ أو الرسوم على الأدوية المستوردة.. والحبل على الجرّار).