النسخة الكاملة

السيبية يكتب: طاقات الشباب في الأردن

الإثنين-2025-09-01 12:11 pm
جفرا نيوز -
ماجد  احمد  السيبية 

الأردن بلد شاب، إذ يشكّل من هم دون سن الثلاثين أكثر من 60% من السكان. هذه الثروة البشرية التي يُفترض أن تكون محركًا للنمو والابتكار ما تزال تبحث عن فرص حقيقية للعمل والإبداع، بينما تواصل البطالة الضغط كأكبر تحدٍ أمام التنمية. وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة البطالة بين الشباب (15–24 عامًا) بلغت نحو 46% في الربع الأول من عام 2025، وهو رقم يعكس حجم الفجوة بين الطموح والواقع.

تتركز المشكلة بحدة في جيوب الفقر، حيث تغيب المشاريع ذات الجدوى الحقيقية، وتتراجع بعض المبادرات أمام ضعف التخطيط أو ارتباطها أكثر برضا الممولين من ارتباطها الفعلي باحتياجات المجتمع. وعلى الرغم من إطلاق الدولة العديد من البرامج خلال العقدين الماضيين لتحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي، فإن معظمها اصطدم بغياب إشراك الشباب أنفسهم في رسم السياسات واتخاذ القرارات. وهنا يظهر الدرس الأوضح: لا يمكن معالجة البطالة بقرارات فوقية، بل عبر شراكة حقيقية مع الشباب تمنحهم الدافع والمساحة لتطوير مهاراتهم ودخول سوق العمل أو تأسيس مشاريع صغيرة تُحسّن مستوياتهم المعيشية وتنعكس على المجتمع بأكمله.

بعض التجارب المحلية تقدم إشارات مضيئة؛ فقد نجحت مؤسسات مثل مؤسسة نهر الأردن ومؤسسة نور الحسين في دعم المجتمعات المحلية من خلال التدريب والتمكين، فيما أطلقت مبادرات ريادية مثل Jordan Innovate برامج لدعم المشاريع الناشئة عبر التمويل والتدريب المتخصص. غير أن حجم التحدي يستدعي نماذج أوسع وأكثر تكاملًا.

الإقليم والعالم يقدمان أمثلة ملهمة يمكن الاستفادة منها. ففي الخليج، نفذت البحرين برنامج Youth City 2030 الذي وفر آلاف الفرص التدريبية، فيما وضعت السعودية استراتيجية وطنية للشباب عام 2024، وأطلقت الإمارات خطة تمتد حتى 2031 لتمكين شبابها من المنافسة عالميًا. وفي آسيا، برزت تجربة بنغلادش من خلال برنامج SEIP الذي ربط التدريب بالتوظيف الفعلي، بينما قدمت الهند نموذج Skill Impact Bond حيث يُصرف التمويل فقط عند تحقيق نتائج ملموسة في التوظيف، وهو ما حقق نجاحًا خاصًا في تشغيل النساء.

ولا يقف التحدي عند البطالة المباشرة، إذ يواجه الأردن أيضًا مشكلة البطالة المقنّعة، حيث يشغل عدد من الشباب وظائف شكلية بلا إنتاجية حقيقية، ما يضعف الاقتصاد ويزيد منسوب الإحباط. ويبدو الأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة للنساء، إذ بلغت نسبة البطالة بينهن نحو 31% عام 2025، أي ما يقارب ضعف نسبتها بين الذكور.

الأردن إذن لا يفتقر إلى الطاقات البشرية ولا إلى نماذج النجاح، سواء محلية أو إقليمية أو عالمية. ما ينقص هو بناء نموذج وطني مرن يجمع بين الدولة، المؤسسات المجتمعية، والقطاع الخاص، ويضع الشباب أنفسهم في موقع الشريك لا المتلقي. عندها فقط يمكن تحويل الطاقة المعطلة إلى قوة اقتصادية قادرة على كسر دائرة الفقر، ودفع عجلة التنمية إلى الأمام.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير