النسخة الكاملة

ما هي أسباب ارتفاع الجرائم العائلية البشعة العام الحالي ؟

الأحد-2025-08-31 11:45 am
جفرا نيوز -
عصام جلال المبيضين 

ما الذي جرى للأردنيين هذه الأيام؟ إذ تحمل الأخبار عاصفة تسونامي من الجرائم العائلية، ضربت العلاقات الاجتماعية الأخرى، والمراقبون يشعرون بأنه لا يمر يوم إلا وتطالعنا الأخبار عن جرائم قتل وعنف مجتمعي ومصادمات، وقسوة، وهناك مشاجرات وشتائم  ،وسباب بين بعض المواطنين في الشوارع والأحياء ، أثناء قيادة  المركبات وغيرها. 

وكل هذا يعني أن  أجزاء من  المجتمع يجلس فوق بركان من الأمراض والأزمات الاجتماعية، خاصة في قطاع الشباب فيما يتعلق بالبطالة والسكن ومتطلبات المعيشة، وأن هذا العنف داخليًا يظهر في صورة ارتفاع بعض الأمراض الخطيرة  في المجتمع .
 
وبينما كشفت إحصاءات أن النصف الأول من" العام الحالي"، شهد تصاعدًا مقلقًا في جرائم القتل الأسرية في الأردن مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، سواء من حيث عدد الحوادث أو عدد الضحايا، مع ملاحظة تنوع أكبر في أدوات الجريمة، وارتفاع حدة الأساليب المستخدمة.  

 البيانات الموثقة  تكشف وتشير لتسجيل نحو 12 جريمة قتل أسرية خلال الفترة ما بين كانون الثاني وحزيران  العام الحالي ، أسفرت عن ما يقرب 15 ضحية، بينهم فئات مختلفة مثل الأطفال والنساء والشباب، مقارنة بـ10 جرائم و 12 ضحية في النصف الأول من عام 2024، ما يعكس زيادة بنسبة تقارب 20 % في عدد الجرائم و25 % في عدد الضحايا ( الأرقام ارتفعت )
  
إن الغالبية العظمى من هذه الجرائم ،ارتكبها أفراد من داخل الأسرة (القرابة الدرجة الأولى)، وتوزع الجناة بين الأشقاء (نحو 5 حالات)، والآباء (حالتين)، والأزواج (حالتين)، والزوجات (حالة واحدة)، وهو ما يشير إلى توسع دائرة العلاقات الجانية .

وأكدت جمعية  تضامن عبر التحليل النوعي، أن الأسلحة النارية كانت الأكثر استخدامًا في هذه الجرائم (4 حالات)، إلى جانب الطعن بأدوات حادة (3 حالات)، والخنق، والحرق، إضافة لأساليب صادمة مثل إلقاء الأطفال في مجرى مائي أو السقوط من ارتفاعات شاهقة في ظل ظروف أسرية قاسية

والأخطر وفق التقرير التنوع في وسائل القتل والذي  يعكس مستوى مرتفعًا من العنف الموجه والقصد الجنائي، ويقلل من فرص النجاة، في إشارة إلى حدة النزاعات وتصاعد خطورتها، وهو ما يهدد الأسرة والنسيج المجتمعي بشكل عام.

وتوزعت الجرائم على عدة محافظات،  ما يؤكد أن الظاهرة ممتدة جغرافيًا ولا ترتبط بمنطقة أو بيئة اجتماعية بعينها، كما أن العديد من هذه الجرائم سبقتها مؤشرات تحذيرية، مثل الخلافات العائلية المتفاقمة، والنزاعات المالية، والظروف الاجتماعية الضاغطة، ما يعكس وجود إمكانية التدخل الوقائي، إلا أنه كان غائبًا أو محدودًا على مختلف المستويات .
 وكشف  التقرير، وبالمقارنة مع النصف الأول من عام 2024، الذي شهد انخفاضًا في الجرائم بنسبة 25 % عن 2023، فإن عام 2025 يعكس اتجاهًا معاكسًا يتمثل بزيادة الأعداد وبشاعة الأساليب، مع توسع في دائرة الجناة وارتفاع في عدد الضحايا لكل حادثة، حيث إن استمرار هذا التصاعد يستدعي مقاربة شاملة تتضمن تطوير منظومات الحماية الاجتماعية .   

وتشير  جمعية "تضامن"  أن جرائم القتل الأسرية بمختلف أساليبها وفئاتها لا تهدد فقط أرواح الأفراد، إنما تضعف النسيج الاجتماعي وتعمق الانقسامات داخل المجتمع ، مما يجعل مواجهتها مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع المدني والأسر ذاتها، في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة وسياسية غير مستقرة في المنطقة   
 

الى ذلك شهد الأردن 25 ألفاً و943 حالة طلاق العام الماضي، في استقرار للنسبة عند 2.2% لكل 1000 نسمة في السنوات العشر الأخيرة .

ووفق تقرير الامن العام  ( التقرير الجنائي السنوي لعام 2024،)  تقع جريمة في المملكة كل 21 دقيقة و59 ثانية وهو تسارع زمني يعكس زيادة في النشاط الإجرامي والتي ترسم ملامح مشهد أمني آخذ بالتغيّر، وتُظهر أن وتيرة الجريمة تشهد تصاعدًا ملحوظًا مقارنة بالعام الماضي. 

 وفق التقرير الجنائي، فإنه من بين جميع فئات الجرائم، جاءت الجرائم الواقعة على الأموال – كالنصب والسرقة والاحتيال – في الصدارة، حيث تُسجل جريمة كل 22 دقيقة و53 ثانية ، تليها الجرائم الواقعة على الإنسان، مثل القتل والإيذاء، بمعدل جريمة كل 28 دقيقة و20 ثانية، وتُظهر الفروقات الزمنية في ارتكاب أنواع الجرائم تفاوتًا واضحًا في حجم التهديد وخطورته، ما يفرض ضرورة التفريق في المعالجة الأمنية والاجتماعية بين مختلف  الفئات.
 
من جانب اخر ، يؤكد المركز الوطنى لحقوق الانسان، في التقرير السنوي، ارتفاع حالات الانتحار، من 160 حالة عام 2023  ،الى  رقم كبير وصل لنحو 166 العام الماضي  2024   .
   
على العموم بين هذا وذاك  يُطرح السؤال: ما الذي جرى  لبعض  الأردنيين حتى خرجوا من عباءة براءتهم التي عُرفوا فيها طويلًا،  في هذا  المجتمع  الذي  ،  كان يوما مسالما وطيبا ورحيما وهادئا، وتحول بانحراف بنيوي   إلى العنف والغضب وارتكاب جرائم غريبة، مع ارتفاع المشاجرات في الشوارع والأحياء ووقوع بعض الجرائم الأخرى لأبسط الأسباب، وسط ضغوط اقتصادية ومعيشية طاحنة جدًا، مع انتشار التوتر وسيطرة العصبية على أبسط الأمور في كل مكان؟

وإن المراقبين يشعرون أن المجتمع يجلس فوق بركان من الأمراض والأزمات الاجتماعية ، خاصة معاناة الشباب فيما يتعلق بالبطالة والسكن ومتطلبات المعيشة، وان هذا العنف داخلياً يظهر فى صورة ارتفاع بعض الأمراض الخطرة على المواطنين 

في الوقت الذي تصدر إشارات تحذر من خطورة ما هو قادم مع استفحال الأزمة الاقتصادية  ،في ظل انهيار الطبقة الوسطى وارتفاع أرقام والفقر والبطالة خاصة إذا دمجنا الموضوع مع أرقام الإحصائيات التي أظهرت وجود تراجع في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وتحولات بنيوية في النظام الأسري  

 محللون اقتصاديون قرعوا جرس إنذار قوي على خطورة الأوضاع المعيشية  لفئات كثيرة، في الأطراف البعيدة 'الأرياف '   من قبل  بعض المواطنين من  أبناء القرى، والأحياء الشعبية المنسية ، بينما البذخ والإسراف في السفر والإنفاق، والكماليات لدى البعض  يفوق الخيال لدى فئات أخرى. 

وقد تلاقى ذلك مع شيوع ثقافة الاستهلاك، وارتفاع الديون طلب الكماليات، وتحويلها إلى ضروريات وأساسيات في كل بيت، وهي أعباء جديدة أضيفت على كاهل الأسرة وأفرزت أمراضاً اجتماعية  . 

  وبينما يرجح مراقبين إن الأزمة الاقتصادية، ضغطت على رقاب محدودي الدخل، حتى  مع  ارتفاع مديونية الأفراد مقابل دخلهم التي تناهز اليوم ٧٠ بالمئة من دخل المواطن السنوي جراء الإنفاق الذي يزيد على حجم الدخول، إن مديونية الأفراد كقروض استهلاكية وسكنية وسط ثبات الرواتب منذ زمن. 

والسؤال هل بدأت الضغوط تتزايد بشدة على المجتمع من غلاء المعيشة، ومع تجمد وانخفاض فى الرواتب، وعدم تواجد وسائل ترفية تستقطب  بعض العائلات،خاصة وقد تجاوزنا في المرحلة الماضية ،مفهوم العقد الاجتماعي ليصبح فردياً ،حيث الجميع يبحث عن حلول فردية في قارب نجاة له ولأسرته في بحر أزمات تلاطم ، حيث لم يعد المجتمع قادراً علي حل جماعي للمشكلات ،وأصبح الفرد يعتمد على نفسه بالعودة إلى الخلايا البدائية الأولى.
.
ويتحدث خبراء  إن هناك دوافع سياسية واجتماعية وثقافية، وراء انتشار أعمال العنف ، فكل ما يتم ارتكابه من أفعال وتصرفات ينطلق من ضغوط حياتية ، فمن لا يقبل الخلاف في الرأي تكون لديه ثقافة عنيفة وبالتالي فإن التحولات الاقتصادية السريعة وما صاحبها من تغيرات اجتماعية هزت القيم الاجتماعية الأصيلة من جذورها وعززت القيم المادية مما أدى لضعف  الصلات الأسرية، وان تردى الأوضاع المعيشية للمواطنين، وصغار الموظفين والمتقاعدين، و ارتفعت معدلات الفقر والبطالة.  ساهم بذلك بشكل أو آخر  .
  
في النهاية نحن بحاجة إلى المراجعة الشاملة لمعرفة نقاط، ووضع الدراسات اللازمة واستيعاب المتغيرات ، لنرسخ ثقافة الحوار والتمسك بالعادات والتقاليد ونبذ العنف واحترام الرأي الآخر، والعطف والهدوء والتخطيط الفردي والجماعي والدراسة ويبقي السؤال: وكيف نعالج المجتمع من هذا الوباء الخطير، وماذا تحمل الأيام القادمة .. فمن يجيب؟ 
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير