يبدو أننا مقبلون على أربعة أشهر صعبة، ربما تحدد مصير المنطقة، لا نعرف كيف سندخل إلى عام 2026، الملف الذي يجب أن يحظى باهتمامنا هو حماية الدولة الأردنية وأمنها واستقرارها، هنا، لا يكفي أن نرفع شعار «دعم المقاومة»، فقط، كما يفعل الكثيرون ممن لا يرون الأردن إلا من هذه الزاوية، أمن الأردن الوطني يحتاج إلى تعريف آخر يتجاوز ما يطفو على سطح بعض خطاباتنا العامة، في الصميم منه أمننا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، تحالفاتنا وعلاقتنا في الإقليم والعالم، جهوزيتنا العامة على كافة المجالات.
صحيح، لنا مصلحة وطنية حيوية مع أشقائنا، خاصة في دعم صمودهم على أرضهم في فلسطين، وتمكينهم من إقامة دولتهم المستقلة، ومواجهة محاولات الكيان المحتل تصفية قضيتهم، لكن مصادر التهديد التي تواجهنا لا تقتصر على مشروع الاحتلال الصهيوني، على مركزية خطورته، وضرورة التصدي له، الفوضى في محيطنا مصدر تهديد، غياب العمق العربي والظهير السياسي مصدر ضعف وقلق، علاقاتنا مع واشنطن، خاصة في عصر ترامب، تحتاج إلى تفكير عميق، الميليشيات التي تحولت إلى دولة داخل الدولة، تتقافز من حولنا وتهددنا أيضاً.
صحيح، ملفات الإقليم والخارج، وما تحمله من فرص محدودة وتهديدات مفتوحة، مهمة في إطار النقاش حول أمننا الوطني، لكن الأهم من ذلك، بتقديري، أسئلة الداخل الأردني: سؤال الهوية وصلابة الجبهة الداخلية وهواجس التهجير والوطن البديل، سؤال اللاجئين الذين تحولوا إلى عبء كبير في ظل تخلي المجتمع الدولي عن دعمهم، سؤال الاقتصاد والطاقة والغذاء والفقر والبطالة، سؤال الإدارات العامة والوجوه التي تتصدر المشهد العام، سؤال الإعلام الوطني الذي يشكل اهم أسلحة الدولة، كل هذه الأسئلة وغيرها تحتاج إلى فهم عميق، وحركة مدروسة، ومراجعات شاملة؛ وإجابات حاسمة، لا يمكن أن نتفرغ لمواجهة أزمات الخارج إلا إذا نجحنا في (تصغير) أزماتنا، وترتيب بيتنا الداخلي، وإعادة العافية لمجتمعنا.
مهم أن نعرف كيف تفكر إدارات الدولة، ومهم، أيضاً، أن نعرف كيف يفكر الأردنيون، ومهم، ثالثاً، أن نعرف كيف يفكر الآخرون -إقليمياً ودولياً - تجاه بلدنا ودورنا، النقطة الأخيرة ( ماذا يُراد لنا؟) تحتاج إلى نقاش واضح وعميق، أكيد لدى الدولة ما يلزم من مجسّات لالتقاط الإشارات وفحص المعطيات وتحديد التعاطي مع الملفات، لكن هذا لا يمنع أن يكون ثمة أشياء مسكوت عنها، وأخرى ملتبسة أو مغلفة بالأقنعة، هذه تحتاج إلى مزيد من الوعي والحذر والانتباه.
لنتذكر، هنا، أننا نقع وسط حفرة الانهدام السياسي، وأنه يمكن أن ندفع ضريبة الجغرافيا، وربما التاريخ، وأن بلدنا محاصر بمشاريع تتصارع وتتصالح، تبحث عن الهيمنة والتوسع والنفوذ، لا أصدقاء دائمين، ولا حلفاء يمكن أن نطمئن إليهم تماماً، لنتذكر، أيضاً، ان خياراتنا وقراراتنا السياسية في هذه المرحلة الخطيرة لا تخضع لمنطق الانفعالات والمزايدات، ولا تقاس على مساطر الآخرين ورغباتهم ومصالحهم، وعليه فإن واجب الأردنيين أن ينضبطوا على إيقاع حركة الدولة، وان يكونوا رديفاً لها لا عبئاً عليها.
نظلم بلدنا إذا لم نفتح عيوننا على أطماع الآخرين وأحقادهم تجاهنا، وفي المركز منهم إسرائيل، نخطئ كثيرا إذا لم نتوافق على ترسيم محددات لأمننا الوطني، وأولويات لمواجهة التهديدات والأخطار التي تحاصرنا؛ الأردنيون، في هذه المرحلة، أمام امتحان الحفاظ على دولتهم، والدفاع عن وطنهم، لا مجال أمامهم للانسحاب أو الاعتذار، للاختلاف او الانقسام، ولا تسامح مع الآخرين الذين يبحثون عن مصالحهم وخلاصهم الفردي، حتى لو انقلب المركب على من فيه، لا سمح الله.