منذ عام 2014، ومع تصاعد التوترات في شرق أوروبا، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية متتالية على روسيا، وبلغت ذروتها بعد غزو أوكرانيا في فبراير 2022. هدفت هذه العقوبات إلى إضعاف قدرة روسيا على تمويل حربها، والحد من وصولها للتكنولوجيا والموارد الحيوية، ورفع الكلفة الاقتصادية على القيادة الروسية.
بدأت العقوبات الأوروبية كردّ فعل على ضم القرم، وكانت آنذاك محدودة وتشمل قيودًا على السفر وتجميد أصول وقيودًا على التجارة مع القرم. إلا أن تدخل روسيا العسكري الواسع في أوكرانيا غيّر المشهد، إذ فرض الاتحاد الأوروبي 18 حزمة عقوبات حتى تموز/يوليو الحالي، أضافت قيودًا صارمة على قطاعات المال والطاقة والتجارة والنقل.
في الجانب المالي، تم استبعاد مصارف روسية كبرى من نظام SWIFT، ما عزلها عن النظام المالي الدولي، وجُمدت أصول ضخمة للبنك المركزي الروسي، وقُيدت قدرة موسكو على الوصول إلى أسواق المال الأوروبية. كما حُظرت المعاملات مع المؤسسات المالية الروسية الكبرى.
وفي قطاع الطاقة، فرض الاتحاد الأوروبي حظرًا تدريجيًا على استيراد الفحم والنفط، وسقفًا سعريًا مرنًا للنفط الروسي المنقول بحرًا يقل بنسبة 15 ٪ عن سعر السوق، ما قلل إيرادات روسيا من صادراتها. كما تم منع الاستثمارات الجديدة في هذا القطاع الحيوي.
أما على صعيد التكنولوجيا، فتم حظر تصدير السلع ذات الاستخدام المزدوج، ومكونات حيوية مثل أشباه الموصلات والطائرات المسيّرة، ما أثّر سلبًا على الصناعات الدفاعية الروسية. وبالمقابل، فُرض حظر على استيراد منتجات استراتيجية مثل الصلب والأخشاب، وقيود على السلع الفاخرة.
في قطاع النقل، مُنعت السفن الروسية من دخول موانئ الاتحاد الأوروبي، وأُغلق المجال الجوي أمام الطائرات الروسية، وحُظرت شركات النقل البري الروسية والبيلاروسية من العمل داخل دول الاتحاد.
إلى جانب العقوبات القطاعية، استمر الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات فردية شملت مئات المسؤولين الروس ورجال الأعمال، مع تجميد أصولهم ومنع سفرهم. كما تصاعدت الجهود الأوروبية لمكافحة التحايل على العقوبات، فتم استهداف شركات وسيطة في دول ثالثة، وتوسيع قوائم الكيانات المحظورة لتشمل كيانات من الصين وتركيا والإمارات، في محاولة لتضييق شبكات الالتفاف.
هذه العقوبات أثرت على الصناعة العسكرية الروسية، التي باتت تواجه صعوبات في تأمين مكونات متقدمة، وارتفاعًا في التكاليف. ومع ذلك، أظهرت روسيا قدرة على التكيّف، عبر التوسع في الإنتاج المحلي، واللجوء إلى دول صديقة لتأمين بعض المستلزمات، والتركيز أحيانًا على الكمية على حساب الجودة.
اقتصاديًا، تراجعت إيرادات روسيا من الطاقة، وواجهت قيودًا حادة على احتياطاتها الأجنبية، ما أثّر على قدرتها في تمويل الحرب. ورافق ذلك ارتفاع التضخم وتراجع مستوى المعيشة، وانزلاق الاقتصاد الروسي تدريجيًا نحو نموذج «اقتصاد الحرب»، حيث تُوجّه الموارد لخدمة المجهود العسكري على حساب التنمية.
رغم أن العقوبات لم تُنهِ الحرب، إلا أن آثارها تتراكم في العمق. فهي لا ترفع فقط كلفة الحرب، بل قد تسهم في إعادة تشكيل النظام الاقتصادي الروسي، وإضعاف الثقة بالنموذج الحاكم، خاصة مع اتساع الفجوة بين النخب والشعب. كما أن العزلة التكنولوجية والمالية قد تؤثر على جاذبية روسيا كشريك اقتصادي على المدى الطويل.
وفي ظل استمرار الحرب واستعصاء الحلول الدبلوماسية، قام الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب بمحاولة وساطة مباشرة بين موسكو وكييف في ربيع 2025، إلا أن جهوده لم تُسفر عن نتائج ملموسة، بسبب تصلب مواقف الطرفين، وتراجع الثقة الأوروبية بالدور الأميركي المتوازن، مما أبقى الأزمة مفتوحة على مزيد من التصعيد والاستنزاف.
في المحصلة، لم تُشلّ العقوبات الأوروبية قدرة روسيا الحربية بالكامل، لكنها رفعت تكلفة الحرب، وقيّدت قدرة موسكو على التحديث والتوسع. ويبقى مستقبل فعاليتها مرتبطًا بمدى التنسيق الدولي وصرامة التنفيذ، خاصة في ظل محاولات التحايل المتنامية. إنها حرب استنزاف طويلة، تُخاض بالأدوات الاقتصادية لا بالأسلحة، وتُراهن على الإنهاك بدل الحسم المباشر.