"بين الشك والاحتواء: الدولة الأردنية وجماعة الإخوان في مفترق الطريق"
الأربعاء-2025-07-16 11:46 am
جفرا نيوز -
عوني ذنيبات
في السنوات الأخيرة، شهدت العلاقة بين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين منعطفات حادة، حملت في طياتها مؤشرات متصاعدة على تآكل الثقة المتبادلة، وتبدل قواعد التعامل السياسي والأمني. ورغم أن الجماعة كانت لعقود أحد المكونات الأساسية في المشهد السياسي والاجتماعي، إلا أن الاتهامات الأخيرة التي طالت أفرادًا محسوبين على صفوفها، أعادت فتح ملف العلاقة المعقدة بين الطرفين، وطرحت تساؤلات جوهرية حول مدى استمرار هذا الارتباط، وحدود القدرة على التعايش في ظل الشكوك المتراكمة.
الدولة الأردنية احتضنت الجماعة منذ تأسيسها، وسمحت لها بمساحة واسعة للعمل العلني سواء من خلال الذراع السياسي المتمثل بحزب جبهة العمل الإسلامي، أو عبر الجمعيات والنقابات والهيئات الخيرية. هذا الاحتواء لم يكن محض تساهل، بل كان نتاج معادلة سياسية داخلية وإقليمية، رأت في الجماعة في فترات معينة سدًا في مواجهة تيارات أخرى، أو وسيلة لضبط التوازن داخل المجتمع. إلا أن هذه العلاقة، التي قد تبدو في ظاهرها شراكة، لطالما شابها توتر غير معلن، واتهامات ضمنية بعدم الانتماء الكامل للمشروع الوطني، والارتهان لأجندات عابرة للحدود.
البيئة السياسية والأمنية في الأردن تطورت، ومعها تغيرت النظرة إلى الجماعة. فما كان يُقبل به في تسعينيات القرن الماضي، أو حتى في بدايات الألفية، لم يعد يجد ذات المساحة أو التسامح. الخطاب الرسمي أصبح أكثر تحفظًا، والتعامل مع الجماعة بات محكومًا بمستوى عالٍ من الحذر. في المقابل، لم تُبدِ الجماعة – بحسب ما تراه الدولة – مراجعات جادة لمواقفها، ولا خطوات تطمئن السلطة إلى أنها جزء أصيل من المنظومة السياسية الأردنية، بعيدًا عن أي ارتباطات تنظيمية خارجية.
الاتهامات الأخيرة التي وُجهت لبعض أفراد الجماعة جاءت ضمن هذا السياق، وعززت شعورًا بأن الدولة باتت تنظر بعين الريبة إلى وجود الجماعة، سواء من حيث هيكلها التنظيمي أو خطابها السياسي أو علاقتها مع أطراف إقليمية. ورغم أن الإجراءات الرسمية لا تزال تبتعد عن إعلان القطيعة النهائية، إلا أن المؤشرات الميدانية تعكس برودًا غير مسبوق، وقيودًا متزايدة على النشاط السياسي والاجتماعي المرتبط بالجماعة، سواء من خلال التشريعات أو الممارسات الفعلية.
السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المشهد هو: لماذا لا تحسم الدولة الموقف وتعلن نهاية العلاقة مع الجماعة، طالما أن الشكوك باتت هي العنوان الأبرز؟ الإجابة تكمن في تقديرات سياسية وأمنية دقيقة، تدرك أن الحسم الكامل قد يحمل تبعات اجتماعية معقدة، أو يفتح بابًا للتوتر الداخلي، أو يمنح الجماعة مشروعية الضحية في عيون بعض الفئات. في الوقت نفسه، الاستمرار في علاقة يطغى عليها الشكّ قد يُضعف هيبة الدولة، ويُبقي الجماعة في حالة رمادية تُثير الجدل ولا تُنهيه.
في نهاية المطاف، تظل العلاقة بين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين نموذجًا سياسيًا معقدًا، تتحكم فيه عوامل داخلية وخارجية، ويصعب إخضاعه للمنطق الثنائي القائم على القطيعة أو التفاهم التام. وبين الحذر الرسمي، ومحاولات الجماعة لتثبيت وجودها، يبقى المشهد مفتوحًا على سيناريوهات متعددة، قد لا يكون "الطلاق السياسي" مستبعدًا منها، لكنه ليس الخيار الأول حتى الآن.