النسخة الكاملة

الدباس يكتب: الانتخاب أم التعيين؟.. ردٌّ هادئ على مقاربة العجارمة للإدارة المحلية

السبت-2025-07-05 06:32 pm
جفرا نيوز -

د.م. محمد الدباس
في لحظة سياسية دقيقة نمرّ بها، طُرِح مجدداً سؤالٌ جوهري: هل الانتخاب ركنٌ في الإدارة المحلية أم مجرد وسيلة قابلة للتعليق؟

الصديق د. نوفان العجارمة بخلفيته القانونية وحنكته الدستورية، قدّم في مداخلة بهذا السياق طرحاً مفاده أن التعيين (وليس الانتخاب) هو جوهر الإدارة المحلية، وأن الخلط بين الأداة والغاية قد يؤدي إلى سوء تقدير لما هو مطلوب من البلديات ومجالس المحافظات.

مقاربة تستحق النقاش، ولكن لا تخلو من إشكاليات تستدعي الوقوف عندها.

أولاً: التعيين لا يصنع شرعية.. وإن أحسنت النوايا

حين يجري الحديث عن تطوير الحياة السياسية، فإننا لا نتحدث عن تحسين الأداء الإداري فحسب، بل عن بناء نموذج للحكم المحلي يعكس الإرادة الشعبية ويكرّس ثقافة المشاركة. فالإدارة المحلية ليست ذراعاً خدمية للسلطة المركزية، بل إحدى الحلقات الأساسية في منظومة التمثيل الديمقراطي.

تعيين رؤساء البلديات الكبرى أو المجالس المحلية بذريعة "الاستقلال بالتعيين” دون تفويض شعبي، يفتح الباب لتغوّل المركز على الأطراف، مهما كانت النصوص القانونية مطمئنة.

ثانياً: لا استقرار دون تمثيل.. ولا تمثيل دون انتخاب

التحجّج بأن بعض المجتمعات المحلية قد تفرز وجوهاً غير مؤهلة هو حجة لا تُقنع. الإصلاح لا يقوم على فرض "حسن الاختيار” من فوق، بل على الاستثمار في وعي الناس وبناء تدريجي لثقافة المحاسبة.
المشاركة (ولو جاءت مشوبة بالأخطاء) تبقى أفضل من الإقصاء المقونن.

ثالثاً: منطق المفاضلة بين الانتخاب والاستقلال مضلّل، فالطرح القائم على الفصل بين "الانتخاب” و”التعيين” كمفهومين متناقضين يُنتج معادلة غير حقيقية.
فالانتخاب لا يعارض استقلالية التعيين بل يضمنه. وما يُضعف المجالس المحلية ليس صندوق الاقتراع، بل غياب الصلاحيات وضبابية العلاقة بين المركز والميدان.

رابعاً: الرسالة السياسية أهم من النص القانوني

حين تعلن الدولة أنها ماضية في تحديث المنظومة السياسية فإن الرأي العام يتابع ليس فقط ما يُقال، بل ما يُفعل.
وقد نصّت توصيات لجنة تحديث المنظومة السياسية بوضوح على أهمية توسيع قاعدة المشاركة على كافة المستويات بما في ذلك الإدارة المحلية، باعتبارها مدخلاً لبناء مواطنة فاعلة وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة.
والتراجع عن انتخاب رؤساء الوحدات الكبرى أو التوسع في التعيين، ولو تحت عنوان "الكفاءة” أو "الاستقلال” يضعف منسوب الثقة، ويكرّس صورة الدولة (المركزية) التي لم تغادر بعدُ منطقة (الوصاية).

خلاصة القول، إذا كنا جادين في تطوير الحياة السياسية، فلا بد أن نُوسّع مساحة المشاركة لا أن نضيّقها، أما العودة إلى مفاضلات ما قبل التحول الديمقراطي، فتبدو بكل صراحة خارج السياق. فالمطلوب ليس تجميل النظام الإداري، بل تمكين المواطن من أن يكون جزءً من القرار.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير