النسخة الكاملة

“التوجيهي” بين ثقة الجامعات العالمية وتحديات الشائعات

السبت-2025-07-05 12:59 pm
جفرا نيوز -
إعداد: د. عادل محمد الوهادنة، MD MSc FRCPCH
استشاري المناعة والروماتيزم

نقاط رئيسية:

1.أكثر من 1,200 جامعة حول العالم تعترف بشهادة التوجيهي الأردني كوثيقة قبول رسمية.

2.نتائج طلبة التوجيهي الأردني في الجامعات العالمية تفوق أداء كثير من أقرانهم من دول أخرى.

3.لا وجود لأي قرار رسمي من جامعات عالمية بسحب الاعتراف بشهادة التوجيهي حتى منتصف 2025.

4.الشائعات تمثل خطرًا حقيقيًا على سمعة التعليم الأردني وقد تمهد لمطالب باختبارات إضافية على الطلبة الأردنيين.

5.لا بد من بناء نظام وطني للرصد الإعلامي والرد الفوري وتطوير البنية الأمنية الرقمية للامتحانات.




في ظل التحديات المتنامية التي تواجه أنظمة التعليم العربي، ظل امتحان الثانوية العامة الأردنية، المعروف بـ”التوجيهي”، محافظًا على مكانته الإقليمية والدولية بوصفه امتحانًا وطنيًا يتسم بالانضباط، والتماسك الأكاديمي، والدقة في التقييم. 

فقد استطاع هذا الامتحان، لعقود، أن يؤهل عشرات الآلاف من الطلبة الأردنيين للالتحاق بأعرق الجامعات في العالم، دون الحاجة لإعادة تقويم أو اجتياز اختبارات قبول إضافية في معظم الأحيان.

إلا أن تداول الشائعات، أو حتى تسريب أجزاء من الحقيقة في سياق غير دقيق، قد يُفضي إلى تقويض هذه الثقة المتراكمة عبر السنين. 

ومن شأن استمرار هذه الممارسات أن يُعرّض الطلبة الأردنيين مستقبلًا لإجراءات إضافية من الجامعات العالمية، كإعادة تقديم امتحانات وطنية أو إخضاعهم لاختبارات قدرات إضافية، الأمر الذي يتطلب وقفة تحليلية وميدانية أمام هذا المشهد المعقّد.


1. ثقة راسخة عالميًا: أرقام وشهادات أداء
تُعترف شهادة التوجيهي الأردني من قبل أكثر من 1,200 جامعة دولية، من بينها جامعات مثل:
University of Toronto
King’s College London
University of Melbourne
Aachen University - ألمانيا
Bogazici University - تركيا

بحسب إحصائية رسمية صادرة عن وزارة التعليم العالي الأردنية لعام 2023، تم قبول 7,183 طالبًا أردنيًا في جامعات خارج المملكة بناءً على شهادة التوجيهي فقط، دون اشتراط اختبارات دولية إضافية (كالـSAT أو A-Level أو ACT)، باستثناء متطلبات اللغة فقط.

في دراسة مقارنة نشرتها جامعة "McGill” الكندية (2022)، حلّ الطلبة الأردنيون من حملة التوجيهي في المرتبة الأولى من حيث الأداء الأكاديمي في السنة الجامعية الأولى بين أقرانهم من الشرق الأوسط بنسبة تفوق أكاديمي بلغت 13.5% فوق المتوسط العام.

في ألمانيا، تُعد شهادة التوجيهي الأردني معادِلة لشهادة Abitur الألمانية وفقًا لقاعدة بيانات "Anabin”، وهي قاعدة رسمية لاعتماد الشهادات الأجنبية، ما يدل على تصنيفها كشهادة ذات موثوقية تربوية عالية.

جامعة "Queensland” الأسترالية صنّفت شهادة التوجيهي الأردني ضمن الشهادات المعترف بها المباشرة للالتحاق بدرجات البكالوريوس في الطب والهندسة، دون حاجة لتحضيري إضافي، وهو استثناء نادر مخصص لشهادات تتمتع بسمعة أكاديمية قوية.



2. لا شكاوى رسمية… ولكن مؤشرات خطر متزايدة

• لا توجد حتى يوليو 2025 أي قرارات صادرة عن أي جامعة أو مؤسسة دولية بسحب الاعتراف بالتوجيهي الأردني. وهذا ما أكدته السفارات الأردنية في كل من بريطانيا وكندا وألمانيا.

• لكن المؤشرات غير الرسمية بدأت تظهر:

• بعض الجامعات التركية الخاصة طلبت منذ عام 2023 اختبارات قبول داخلية حتى لحملة التوجيهي الأردني، ما يُفسّر كتحول محتمل في مناخ الثقة، حتى وإن كان بدافع تجاري.

• تراجع نسبة اعتماد الجامعات الخليجية الخاصة على التوجيهي الأردني وحده بنسبة 22% في عام 2024 مقارنة بـ2021، وفقًا لتقرير صادر عن اتحاد الجامعات العربية.

وفقًا لمسح غير منشور أجراه مركز "السياسات التعليمية للشرق الأوسط”، فإن 85% من الشائعات التي تنتشر خلال فترة التوجيهي مصدرها حسابات مجهولة على فيسبوك وتيك توك، وبعضها يستخدم برامج ذكاء اصطناعي لإنتاج مقاطع مفبركة توحي بوجود تسريبات أو تزوير.




3. الأثر المحتمل للشائعات على المدى البعيد


• مع تكرار تداول الأخبار الكاذبة، حتى دون دليل، قد تبدأ جامعات عالمية بطلب اختبارات مكملة أو إعادة تقويم للطلبة الأردنيين.

 • ثقة المجتمع الأردني نفسه بامتحان التوجيهي قد تتآكل، مما يقلل من قيمة الشهادة داخليًا ويجعل من المطالبة بإلغائها أو تعديلها مطلبًا شعبويًا أكثر من كونه تربويًا.

 • الضرر لا يمس الطلبة فقط، بل يمس سمعة الأردن التعليمية وموقعه الإقليمي في تصدير الكفاءات، ما يؤثر على ترتيب المملكة في تقارير مثل "مؤشر التعليم العالمي” و”مؤشر الشفافية التربوية”.




4. خارطة طريق للثقة والاستدامة: كيف نواجه الشائعات؟

أولاً: نظام إعلام تربوي تفاعلي
 
• إنشاء مركز "رصد وتحقق” تابع لوزارة التربية، يعمل على مدار الساعة خلال فترات الامتحانات لرصد الشائعات والرد عليها.

 • تعيين متحدث إعلامي رسمي متخصص في الامتحانات يُصدر بيانات صحفية كل يوم، مدعومة بأرقام ومعلومات دقيقة.





ثانيًا: تعزيز أمن الامتحان رقميًا

 • تطبيق نظم التشفير الإلكتروني لتوزيع الأسئلة من المركز إلى القاعات، بتقنية "blockchain”.
 
• استخدام بصمة الوجه أو الإصبع للطلبة والكوادر داخل القاعات، وتوثيق دخولهم وخروجهم.





ثالثًا: عقوبات رادعة للمسيئين

 • تعديل قانون الجرائم الإلكترونية لتجريم نشر الشائعات حول الامتحانات العامة، بعقوبات لا تقل عن 5 سنوات حبس أو غرامة 10,000 دينار.

 • التعاون مع شركات مثل "Meta” و”Google” لحذف المحتوى الزائف وإغلاق الحسابات المسيئة خلال موسم التوجيهي.





رابعًا: بناء الثقة الدولية

 •إرسال تقارير سنوية موثقة بالإنجليزية إلى الجامعات العالمية توضح آليات الإشراف والضبط والنتائج.
 •دعوة وفود تربوية دولية لحضور بعض أيام الامتحان ضمن "برنامج الشفافية والمراقبة الدولية”.





خاتمة: يبقى امتحان التوجيهي الأردني عنوانًا لجودة التعليم العام، ومؤشرًا على سلامة النظام التربوي الوطني، لكن حماية هذه السمعة لا تُبنى بالصمت ولا بالتغاضي عن الشائعات. بل ببناء نظام إعلامي وأمني وتربوي قادر على حماية مصداقية الامتحان، وتعزيز ثقة الداخل والخارج فيه.

الرهان ليس على الورقة الامتحانية فقط، بل على كفاءة الدولة الأردنية في تحويل تحديات اللحظة إلى فرص إصلاح واستثمار في المستقبل.


المراجع:
1.وزارة التعليم العالي الأردنية – التقرير السنوي 2023
2.وزارة التربية والتعليم الأردنية – بيانات امتحانات الثانوية العامة 2022-2024
3.قاعدة بيانات Anabin الألمانية للاعتماد الأكاديمي
4.جامعة McGill – تحليل أداء طلبة الشرق الأوسط، 2022
5.اتحاد الجامعات العربية – تقرير قبول الطلبة الأردنيين في جامعات الخليج، 2024
6.مركز السياسات التعليمية للشرق الأوسط – مسح حول مصادر الشائعات التعليمية، 2023
7.QS World University Rankings – إصدار 2024
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة جفرا نيوز 2024
تصميم و تطوير