منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، انطلقت طهران في مشروع توسّعي يؤدي إلى بناء شبكة تأثير تمتد من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط، تحت مسمى "محور المقاومة”. لقد استثمرت القيادة الإيرانية ما تملكه من موارد مالية وعسكرية في دعم ميليشيات محلية وإقليمية مثل حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن، حتى بات قدرها الاستراتيجي يقاس بمدى قدرتها على تشكيل مواقف الدول والحكومات في تلك الدول. نتائج هذا المشروع تجلّت بوضوح في تثبيت أقدام النظام السوري عبر تدخله المباشر، وتأمين ممر بري يصل إيران بساحل المتوسط، وهو ما منحها ورقة نفوذ قادرة على تغيير معطيات الصراع الإقليمي.
على الرغم من العداء المعلن لإسرائيل، فقد أظهرت المفاوضات الدولية حول ملف إيران النووي أن طهران تضع مصالحها الاقتصادية والسياسية فوق أي اعتبارات إنسانية. فقد افتُتحت في المحادثات أحياء شروطٌ كان أبرزها رفع العقوبات المفروضة على صادرات النفط وتحرير أموالها المجمدة في المصارف العالمية، بالإضافة إلى الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض "مدنية”، مقابل التزامٍ شكلي بالحد من نشاطاتها الإقليمية. لكن اللافت أن بنداً مهماً كان غائباً تماماً عن هذه المساومات، وهو التزام إيران بأي دور فعلي في وقف العدوان على غزة، مما يكشف أن القضية الفلسطينية لم تكن أكثر من ورقة إعلامية تُستخدم حسب المصالح وتُهمل عندما تتصادم مع الاستراتيجيات الكبرى.
لقد أظهرت تجربة حزب الله المثال الأكثر وضوحاً على أن الارتباط بطهران لا يعني استمرارية الدعم أو الوفاء للحليف؛ ففي ذروة الأزمات السورية استُنزفت قواته دفاعاً عن نظام الأسد قبل أن تُلغى أهميته عند تبدّل المصالح، فبان زيف الشعارات التي تُرفع عن "المقاومة” وغياب ثوابت التضامن. وعلى حماس أن تعيد حسابها في مناصرة إيران، بعد أن بات واضحاً أن دعم طهران ورقتها في غزة تُضحى بها حين تتعارض مع أولوية مصالحها.
في المقابل، وقف الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين نموذجاً للوازن بين الحذر الاستراتيجي والثبات على المبادئ، محافظاً على استقلال قراره الوطني ووحدة صفّه الداخلي بعيداً عن أي تبعية خارجية. وبهذه الروح الواعية ننبذ كل مضللٍ، سواء كان سطحيّاً لا يملك رؤية حقيقية، أو له مصالح وأجندات خارجية تخفي وراءها غايات مضللة، فلا لنا إلا أن نعول على أنفسنا وقيادتنا الهاشمية الصادقة.
إنّ تعزيز الوعي بأصول قوتنا الوطنية هو السبيل الوحيد لضمان مستقبلٍ مشرقٍ لوطننا. فلتبقَ راية الأردن عالية، صمام أمانٍ لوحدة الأمة وقلعة سيادتها، لا تنحني أمام أي عبثٍ أو تدخل، ولنبقَ جميعاً خلف القيادة الهاشمية التي تختار مصلحة شعبها فوق كل اعتبار.