آن الأوان لنقابة الأطباء أن تعود إلى جوهر رسالتها العلمية والمهنية
الثلاثاء-2025-06-17 11:59 pm
جفرا نيوز -
د. عادل محمد الوهادنة
استشاري في المناعة والروماتيزم – والعلاج بالخلايا الجذعية
في زمن تتسارع فيه التحديات، وتتسع فيه دائرة التوقعات من النقابات المهنية، يُصبح من الضروري إعادة النظر في المسارات التي سلكتها بعض المؤسسات المهنية، وفي مقدمتها نقابة الأطباء. ليس من باب النقد، بل من منطلق الحرص على أن تستعيد النقابة دورها الريادي والمطلوب.
أولاً، إدارة الصناديق المالية ليست اختصاصًا نقابيًا.
آن الأوان أن تبتعد نقابة الأطباء عن إدارة صناديق التقاعد والتأمين والتكافل وغيرها، وأن تحيلها إلى جهات متخصصة في الاستثمار وإدارة الأصول. إن الحفاظ على أموال الأطباء وتنميتها يتطلب أدوات مؤسسية، ومهنية مصرفية، وخبرات استثمارية غير متوفرة داخل الأطر النقابية التقليدية. إنها خطوة نحو احترافية الإدارة وتحقيق النمو الحقيقي لهذه الصناديق التي تشكّل شريانًا حيويًا لمستقبل آلاف الأطباء.
ثانيًا، منح الألقاب والتخصصات شأن وطني، لا نقابي.
لا يخفى على أحد أن الألقاب المهنية الطبية تستند إلى معايير علمية معتمدة، وهي مسؤولية حصرية للمجلس الطبي الأردني والمؤسسات الأكاديمية الوطنية، ممثلة بوزارة الصحة، والخدمات الطبية الملكية، والجامعات الأردنية. استمرار النقابة في منح ألقاب مهنية دون إطار قانوني واضح، يُحدث تشويشًا في المنظومة التخصصية ويقوض ثقة المجتمع بالتصنيف المهني.
ثالثًا، تعزيز الشفافية بمراقبة ديوان المحاسبة.
لا يجوز أن تبقى ميزانيات النقابة وإيراداتها ونفقاتها بمنأى عن الرقابة العامة. إن خضوع النقابة لديوان المحاسبة لا يُعد تشكيكًا، بل تأكيدًا على مبدأ الحوكمة المالية، وتعزيزًا لثقة الهيئة العامة في مؤسستها. الشفافية ليست خيارًا، بل ضرورة لاستدامة أي كيان مهني محترم.
رابعًا، النأي عن السياسة مسؤولية نقابية.
النقابة ليست حزبًا سياسيًا، ولا منبرًا للمناكفات. لقد شرّع القانون الأردني الساحات السياسية وأتاح لمن يرغب أن يخوض غمارها من خلال الأطر الحزبية. أما النقابات، فواجبها أن تبقى مستقلة، جامعة، مهنية، وأن تُمثّل جميع منتسبيها على اختلاف توجهاتهم، لا أن تتحول إلى أداة اصطفاف أو بوابة خلفية للعمل الحزبي.
خامسًا، استثمار العلم والبحث والاختصاص.
آن الأوان أن تدعم النقابة الجمعيات العلمية المنضوية تحتها، لا أن تهمّشها. الجمعيات تُشكّل البنية العلمية الفعلية للمهنة، وهي الأقدر على تطوير الممارسة الطبية، وتنظيم المؤتمرات، وبلورة البرامج التعليمية المستمرة. الدعم الحقيقي للنقابة يبدأ من تمكين جمعياتها.
سادسًا، تسويق الطبيب الأردني خارجيًا مسؤولية وطنية.
الأطباء الأردنيون يشكّلون ركيزة مهنية في عدة دول، وما زالت كفاءاتهم تلقى الاحترام في أرجاء الإقليم. غير أن هذا النجاح ما زال فرديًا، ويحتاج إلى أذرع نقابية مؤسسية تُروّج للكفاءات الوطنية ضمن برامج تبادل صحي دولي، وبالتنسيق مع وزارات العمل والصحة والخارجية. تسويق الطبيب الأردني في الأسواق الأكثر استيعابًا يجب أن يتحول من جهد فردي إلى مشروع نقابي وطني.
في المحصلة، لا بد من لحظة مراجعة صادقة، تتجاوز العناوين الرنانة إلى جوهر الأداء المؤسسي. نقابة الأطباء تمتلك من التاريخ والشرعية والمكانة ما يؤهلها لتكون قاطرة تطوير، لا أن تظل في دوامة الخلافات، أو أسر الأدوار غير التخصصية.
آن الأوان أن تركز على ما وُجدت لأجله:
حماية المهنة، خدمة الأطباء، والارتقاء بالمستوى العلمي والصحي في الأردن.