من النكات العابرة للأجيال تلك التي تحكي قصة قصيرة من عيار الطقطوقة موسيقيا! مفادها أن طالبا في علوم الأحياء -البيولوجيا- تعرض لعملية نصب ظن بعدها أنه عرف سؤال المليون في امتحان مصيري. قال له النصاب إن مصادر موثوقة عميقة الاطّلاع -»إيدها طايلة»- سربت له سؤال العام وهو انفرادي حصري يتعلق فقط بحشرة، وهي الذبابة! درس الطالب المخدوع وأشبع الموضوع بحثا فصار متخصصا بالذباب بأنواعه الحية والافتراضية «السبرانية»! لكن وكما نعرف -ربما في روايات مختلفة- أن الحقيقة كانت مجتزأة وبالتالي مشوّهة ناقصة مضلِّلَة. فصحيح أن الامتحان كان النجاح فيه معلّقا بعرقوب أحد مخلوقات الغابة لكنه لم يكن من عالم الحشرات، بل من الدواب الثقيلة الضخمة ألا وهو الفيل. بنابين أو مكسور النابين ليست تلك المشكلة، المهم أنه فيل ثقيل يدبّ على الأرض، لا ذبابة تطير ويسهل هشّها، كما في طقطوقة اشتهرت قبل سنوات لمخمور أو مسطول تحول بسبب تهافت بعض المتفاعلين إلى ترند مليوني بعنوان «الذبابة... هَشَشْتُها، فطارت!».
طبعا النتيجة كارثية. لكن الطالب المُمْتَحَن «ركب راسه» فتوهّم أنه قادر على مباغتة لجنة الأساتذة المصححين، بإجابة لولبية فالتفّ على الموضوع، وكتب أن الفيل من حيوانات الغابة واسعة الانتشار في إفريقيا وشبه القارة الهندية، وبينما أفلت من الصيادين حطّت على ذيله ذبابة، أما الذبابة -وهنا دوّن صفحات وسوّدها بكلام موزون في الصميم، لكن خارج الهدف وبالتالي كان السقوط في الامتحان مدويّا لأن موضوع الامتحان كان الفيل لا الذبابة!.
يستسهل بعض مسؤولي التحشيد في أي قضية أو أي معركة، يستسهلون استدرار التعاطف عبر أخبار وصور وفيديوهات كاذبة، ويفوتهم أن ثورة التقنية والاتصالات جعلت من الناس خبراء في مكافحة التزييف والتضليل الإلكتروني. «يبني» أولئك البؤساء هياكل أكاذيبهم، فيهدمها راصد بمجرد سحب حجر بدلا من رميهم بريشة! فَهِمَ البعض «الحرب خدعة» فهما خاطئا وعلى نحو قاتل. الخداع له أصوله كأداة من أدوات الحرب النفسية أو الاستطلاع، ولا يعني أبدا الكذب وإن كان في بعض الحملات كما الملح أو البهارات. بعض البؤساء يغالون فيترك المخدوعين بوجباتهم السريعة مرضى ضغط دم مرتفع وقرحة!
على ذكر البؤساء هي بالفرنسية «لِ مِزِغابْلْ» المسرحية الغنائية التي اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن تكون فاتحة عروض مركز كندي في واشنطن الأسبوع الماضي بعد أن أعفى القائمين عليه سابقا من مهامهم، وأعاد تشكيله للتخلص من أجندة اليسار المنحل المختل، وحرص أن يترأس بنفسه مجلس إدارته. يومها وقد كان قبل ثمان وأربعين ساعة من بدء عملية «الأسد الصاعد» الإسرائيلية، يومها حذر طهران من ضرورة العودة إلى مائدة التفاوض على أساس تصفير التخصيب وإلا كانت العواقب وخيمة. عواقب لا تجدي معها فيديو إسقاط طائرة إف 35 الأمريكية بالمقاومات الأرضية الإيرانية والذي تبين بعدها بأقل من ساعة أنه «فيديو ألعاب»!َ حقا «بؤساء» شِلَلُ الذباب الإلكتروني ولا يفوقهم بؤسا وتعاسة سوى الدبابير الإلكترونية التي تلدغ بعضها بعضا في نهاية المطاف!